محمد عبد الرزاق القشعمي
في زيارتي الثانية لمنطقة الجوف عام 1404هـ - 1984م حيث يقيم مكتب رعاية الشباب أسبوعاً ثقافياً اعتاد أن يقيمه سنوياً قابلت الاستاذ عارف في إحدى المناسبات وسريعا تآلفت قلوبنا، وقبل مغادرتي الجوف عائدا إلى الرياض حيث عملي بالرئاسة العامة لرعاية الشباب زرته في مكتبه كمدير عام للتعليم لتوديعه، ودعوته للمشاركة في الكتابة عن ( الجوف ) ضمن سلسلة ( هذه بلادنا ) التي بدأت الرئاسة في إصدارها، وقد رحب بالدعوة وأعجب بالفكرة، وهو يتهيأ للسفر إلى مصر لمناقشة رسالة الدكتوراة في اللغة العربية وآدابها من جامعة عين شمس بالقاهرة.
وبعد سنتين استجاب لدعوة الرئاسة وبعث بمسودة الكتاب ( الجوف ) الذي قال في مقدمته ( إن من يطلع على أهداف مشروع ( هذه بلادنا ) سيكبر سمو الهدف، وسلامة الخطة، والحرص على ما من شأنه تهيئة أسباب الثقافة للمواطن. إن الرئاسة العامة لرعاية الشباب وعلى رأسها صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن فهد بن عبد العزيز، وهي تتبنى هذا المشروع وتدعمه بوسائل الدعم كلها، إنما تسعى لتنمية معلومات الناشئ وتثقيفه وتوسيع مداركه وبالدرجة الأولى عن وطنه لتحقق هدفاً وطنياً نبيلاً تضيفه لمنجزاتها الخيرة، وهو إنجاز من شأنه أيضاً إثراء المكتبة السعودية بمادة علمية متعددة الجوانب ذات علاقة وثيقة بتراث هذا الوطن قديمه وحديثه. وهذا الاتجاه بحد ذاته خير سبيل لتحقيق ما يتطلع إليه الشباب السعودي من معرفة لتاريخ بلده الغالية وتراثها الفكري وما تعيشه من عادات وتقاليد بحيث نستطيع الجزم بأنه من غير الميسور وقوف الشباب السعودي على واقع وتراث وطنه، لو لم يكن هذا المشروع الفذ المتمثل في سلسلة ( هذه بلادنا )، وبخاصة إذا أخذنا في الاعتبار التباعد الجغرافي بين مناطق المملكة العربية السعودية ).
وصدر الكتاب يحمل رقم (18) عام 1408 هـ 1988 م متضمنا أهم المعالم الجغرافية لمنطقة الجوف، فوصف المدن الرئيسية : سكاكا، دومة الجندل، طبرجل، فلمحة تاريخية لسوق دومة الجندل في العصر الجاهلي والنهضة التعليمية أثناء الفتح الإسلامي، وأثناء التحكيم بين علي ومعاوية ثم تحدث عن القرى والآثار والنهضة التعليمية والثقافية الحديثة، فالحياة الأدبية والفكرية والأدب الشعبي ثم تحدث عن الحياة الاجتماعية، ثم الحالة الاقتصادية والصناعات المحلية والمعالم الحضارية، والتطور العمراني، والمؤسسات الخيرية، ورعاية الشباب ومركز التنمية الاجتماعية.. وغيرها. زار الرياض في العام التالي وأهداني نسخة من رسالته التي نال بها درجة الدكتوراه بعنوان ( المنقول والمعقول في تفسير القرآن الكريم في فكر فخر الدين الرازي).
وكان في كل سنة يحضر المهرجان الوطني للتراث والثقافة ونلتقي في فعاليات المهرجان أو في بعض المناسبات مع بعض الأصدقاء، وفي عام 1420 هـ وبعد انتقال عملي إلى مكتبة الملك فهد الوطنية دعوته لزيارتها والتسجيل معه ضمن برنامج تسجيل ( التاريخ الشفوي ) واستجاب بلا تردد.. وعرفت شيئا من سيرته، وعلى الأصح المحطات المهمة في حياته.. ولعلي أكتفي بالترجمة التي وردت في موسوعة ( تاريخ التعليم في المملكة العربية السعودية ) التي أصدرتها وزارة المعارف عام 1419 هـ بمناسبة مرور مئة سنة على دخول الملك المؤسس عبد العزيز ال سعود الرياض. (تلقى تعليمه في مدرسة الجوف، وحصل على الشهادة الابتدائية سنة 1373 هـ والكفاءة المتوسطة سنة 1382 هـ والثانوية العامة سنة 1385 هـ، وفي سنة 1390 هـ حصل على البكالوريوس تخصص لغة عربية، والماجستير سنة 1400 هـ، والدكتوراة سنة 1405 هـ عمل معلما بالمرحلة الابتدائية عام 1374 هـ ثم رئيس قسم الأرشيف بوزارة المعارف عام 1385 هـ ورئيس قسم العقود في شؤون المتعاقدين عام 1386 هـ ومفتشا إداريا في إدارة التعليم بالجوف من عام 1390. وفي عام 1393 هـ عين مديرا عام للتعليم بمنطقة الجوف. وفي عام 1416 هـ عين أميناً عاما لمجلس منطقة الجوف. ومن آثاره : التوجيه الإسلامي للنَّشء في فلسفة الغزالي، هذه بلادنا ( الجوف )، بحث في التوجيه التربوي.. أهميته، مفهومه، أهدافه. المنقول والمعقول في تفسير القرآن الكريم في فكر فخر الدين الرازي). والكتاب الثاني الذي ألفه أبو عبد السلام - عارف - من باب الوفاء والتقدير والعرفان لأستاذه الذي تأثر به ورافقه طوال مدة وجوده بالجوف معلما للصبيان وقاضيا وخطيبا وإماما ليتخذه قدوة في سلوكه الشخصي ألا وهو الشيخ فيصل بن عبد العزيز آل مبارك، وقال عنه إنه صاحب مدرسة ذات منهج كما هو عنوان كتابه (الشيخ فيصل بن عبد العزيز آل مبارك.. مدرسة ذات منهج)، وقد كان يرغب أن يكون ( الشيخ فيصل ) موضوع أطروحته للماجستير في جامعة عين شمس، إلا أن الجامعة آثرت موضوعه الثاني ( حجة الإسلام الغزالي وفلسفته في التربية )، ولكونه أحد تلاميذه ولتأثره به، ومن المقتنعين بأنه قدوة صالحة علما وعملا، ولتوفر النية الصادقة والعزم فقد قرر تتبع خطواته منذ ولادته وطفولته ورفقته للملك المؤسس عبد العزيز بن عبد الرحمن ال سعود، وحضوره فتح الأحساء سنة 1331 هـ ومشاركته في عدة غزوات، وانتدابه لنواحي اليمن لعقمعاهدة مع الإمام محمد بن علي الادريسي. كما عاصر فترة توحيد المملكة وتوطين البادية، وقد تولى القضاء في تسع مناطق من المملكة فاختار الإقامة الدائمة بالجوف التي استقبله أهلها بالترحاب والمودة فبادلهم حبا بحب. وكان قدوم الشيخ فيصل للجوف عام 1392 هـ فلازمه وأصبح يقرأ عليه سيرة ابن هشام وكتاب مشكاة المصابيح بين صلاتي المغرب والعشاء، وبعد صلاة العشاء يجلس للطلبة يقرأ عليه في القواعد، وفي الصباح يجلس للقضاء، وبعد صلاة الظهر يقرأ عليه الطلبة في الفقه والتفسير، وبعد صلاة العصر يدرس القرآن والفرائض حتى قرب غروب الشمس. وهذا برنامجه اليومي حتى وفاته 1376 هـ وكان الاستاذ عارف المسعر وقتها مدرسا في المرحلة الابتدائية. وبعد وفاة شيخه المبارك تنقل في عده وظائف بوزارة المعارف بالرياض كرئيس لقسم الأرشيف في إدارة النشر والشؤون العامة من عام 1385 هـ إلى 1390 هـ. وبعد ذلك عاد إلى الجوف مفتشا في إدارة التعليم لمدة يسيرة، عين بعدها مديرا للتعليم بالجوف. ومن عام 1398 هـ أصبح مديرا عاماً للتعليم في منطقة الجوف، وعندما أحيل إلى التقاعد اختير أمينا عاما لمجلس المنطقة، وكان يتحلى بالأخلاق الفاضلة والتواضع الجم، وحسن الأدب، ومحبة الجميع.