محمد عبد الرزاق القشعمي
لم أستغرب ما قرأته عن فوز الأستاذ عبد الرحيم الأحمدي بجائزة (يوتوروغي) - التي تعني (الراحة) باللغة العربية - التي تمنحها مؤسسة ثقافة الصحراء في اليابان. لقد سمعت بهذه المؤسسة من أستاذنا الأحمدي وبالذات بعد زيارته لها باليابان قبل سنة مع كريمته الدكتورة حنان - عضو مجلس الشورى -، وكيف رحبوا بهم وأقاموا احتفالاً كبيراً بمناسبة تدشين مؤسسة ثقافة الصحراء وعرضوا فيلماً تسجيلياً عن زياراتهم لوادي فاطمة بمنطقة مكة المكرمة قبل نحو نصف قرن.
لقد فوجئوا وهم يشاهدون صوراً لأطفال الوادي من الإناث هن الآن جدات، ومنهن الدكتورة حنان وشقيقتاها وحضرن في المناسبة تقديم أول جائزة في دورتها الأولى لزوجين بروفيسورين يابانيين قضيا حياتهما في العمل الزراعي في الصين مركزين على تشجير الصحراء.
حضر الافتتاح عدد كبير من أساتذة الجامعات والمهتمين، وبمرافقة فرقة موسيقية تعزف ألحان أغاني أم كلثوم رمزاً لموسيقى الصحراء.
وقد سأل أبو مروان قائد الفرقة كيف تدربتم على عزف هذه الألحان؟ فقال: إنهم تعلموها من مقاهي حي الحسين بالقاهرة.
وحكى لي الأخ عبد الرحيم عن فترة زيارة البروفيسورة (كاتاكورا) لوادي فاطمة عندما كان يدير مركز التنمية الاجتماعية بالوادي من عام 1968م وكانت وقتها تعد بحثاً عن ثقافة المجتمعات البدوية وقيمها.
وعن الحياة الاجتماعية والاقتصادية في القرية.. وأن الباحثة وزوجها السفير كونيو كاتاكورا وأبناءهم قد ترددوا على الوادي عدة أشهر لجمع المعلومات ومقابلة بعض الأسر ودراسة العادات والتقاليد وغيرها.. وقال إنهم قد اندمجوا مع بقية سكان الوادي وتفاعلوا معهم وصاروا يحرصون على حضور المناسبات من فرح وترح، وذكر لي أن إحدى المناسبات وهو زواج أحد أبناء القرية وكان من المعتاد أن تقدم هدية لذوي المتزوجين.
ووجدوا أن المناسب هو تقديم خروف حسب المتبع، فاختاروه وأبقوه في منزلهم مدة أسبوع وتعهدوه بالتنظيف بالصابون والشامبو وأحسنوا إعلافه لتقديمه لمن سيُهدى إليهم، ولمعرفتهم بعادات الناس هناك حيث تذبح الخراف المهداة وتقدم في حفل الزواج لمن أهداها فقد طلبوا منهم ألا يقدم لهم (عشاء) ذلك الخروف على اعتباره هدية ورفداً.
عندما عاد الأستاذ عبد الرحيم الأحمدي من زيارته لليابان وحضوره حفل افتتاح مؤسسة ثقافة الصحراء والذي أوصت الراحلة (موتوكو كاتاكورا) قبيل وفاتها بأن تنفق تركتها المالية لخدمة ثقافة الصحراء عبر مؤسسة تنشأ لصالح ثقافة الصحراء وتضم مؤلفاتها وأبحاثها وما جمعت من وثائق ومراجع عن مجتمعات الصحراء، وفاء لهذه المجتمعات وأهمية خدمتها وإجراء دراسات لثقافتها وقام زوجها السفير (كونيو كاتاكورا) بتنفيذ وصيتها ورأس مجلس إدارة المؤسسة المكون من المتخصصين والمهتمين بثقافة الصحراء بهدف أن يطور هذه المؤسسة، فتكون لها مجلس إدارة باسم (مؤسسة موتوكو كتاكورا لثقافة الصحراء) وتخصيص جائزة للمبدعين في هذا المجال تُسمى جائزة (يوتو روغي) وتعني بالعربية الراحة، تمنح كل سنة لمن يؤدي خدمة للصحراء أو إبداعاً في مجال ثقافة الصحراء، والآن وفي دورتها الثانية نجدها تختار من كان له دور فاعل في الحياة الاجتماعية من خلال رعايته ورئاسته لمركز التنمية الاجتماعية بوادي فاطمة وخبراته في مجال ثقافة الصحراء وما زال مواصلاً عمله فمن وزارة العمل والشؤون الاجتماعية إلى مجلس التعاون الخليجي، وبعد تقاعده وتأسيسه لدار المفردات للنشر والتوزيع الرياض، واعتنائه بنشر الثقافة وبالذات ما يتعلق بثقافة الصحراء: أذكر أنه عندما عاد قبل سنة من اليابان وهو مليء بالحماس كان يفكر في إنشاء مركز لثقافة الصحراء في الرياض ضمن نشاطه في النشر.
واقترح إقامة ندوة عن ثقافة الصحراء يشارك فيها نخبة من أدباء اليابان وأدباء المملكة المعنيين بثقافة الصحراء ورفع بذلك اقتراحاً لوزارة الثقافة والإعلام. وطال انتظاره لرد الوزارة ولخشيته ضياع فرصة تعزيز فكرة ثقافة الصحراء التي يجدر بنا أن نتبناها نحن وأن ندعم الجهود الرامية إلى نشرها ما زال يسعى لعقد هذه الندوة ملتمساً الدعم لتحقيق الفكرة.
والآن وقد اختار مجلس إدارة المؤسسة الرجل المناسب لهذه الجائزة والتي ستمنح في احتفال رسمي في طوكيو في شهر نوفمبر 2016م.. فعبد الرحيم الأحمدي لا يمثل نفسه بل يمثلنا جميعاً... وعلاوة على ذلك هو يمثل الوطن ويجني ثمرة جهده وما قدمه.
وأخيراً فمؤسسة موتو كوكتاكورا لثقافة الصحراء، مؤسسة ثقافية تنبع من واقع الصداقة المتينة بين المجتمعين السعودي والياباني.
وكان قيام المؤسسة بتوصية من البروفيسورة موتو كوكتاكورا قبل وفاتها وأن تصرف كل تركتها لصالح الأبحاث الجادة والأعمال الإبداعية المتصلة بثقافة الصحراء.
والجدير بالذكر أن السيدة موتوكو كاتاكورا - في حياتها - بروفيسورة في جامعة طوكيو قد رأست متحف المأثورات في مدينة (نارا) ولديها مؤلفات كثيرة عن المملكة وموسوعة عن المدن الإسلامية ولها مشاركات عالمية وتحسن التحدث باللغة العربية، وكانت دراستها أو بحثها الذي أجرته عندما كانت في المملكة بعنوان: (أهل الوادي)..
ومعلوم أن زوجها الوفي (كونيو كاتاكورا) يشغل العمل الدبلوماسي من بينها سفير اليابان في دولة الإمارات العربية، فجمهورية العراق ثم جمهورية مصر العربية، وله كثير من المؤلفات وحضور في المناسبات الرسمية ورئاسة الوفود التي تمثّل اليابان في الخارج.
إنني أتطلع إلى دعم ومؤازرة دار المفردات لإقامة ندوة نبرز فيها خبرتنا عن حياة الصحراء وقيمنا الثقافية التي نكاد ننفرد بها أو تتميز بها ثقافتنا في الجزيرة العربية بمعرفة كبيرة عن ثقافة الصحراء ونحن الأجدر بأن نحفظ تراث الصحراء وتفاعلنا مع الصحراء.. وتقديراً للرؤية اليابانية الداعية لإشاعة ثقافة الصحراء وخدمة ميادينها، يتم في الندوة توأمة بيننا وبينهم لتعزيز هذا التوجه الذي يعود أساساً إلى رؤية البروفسورة عن الصحراء ودعوتها لدعم ثقافة الصحراء، وفي المشاركة نفع علمي وإعلامي بإبراز واقع حياة الصحراء وثقافتها وجهود أهلها.