محمد بن عبدالله آل شملان
في مشوارنا مع الحياة يلتقي كل إنسان منا بالكثير من الناس، لكن القليل منهم يكون لهم تأثيراً يبقى مع الإنسان طوال حياته ويدَعُون بصمات واضحة في مسيرته. شيخ قبيلة آل راكان الوداعين ناصر بن عبدالعزيز بن ناصر آل راكان -رحمه الله- كان من بين الأشخاص الذين لا يمكن أن يلتقوا إنساناً إلا وتركوا معه ذكرى تظل ملازمة لهم تؤثر في حياتهم بالإيجاب.
التقيت بهذا الشيخ الوقور -تغمده الله بواسع رحمته- ولأول مرة قبل نحو عام تقريباً عندما نظم مركزه «الحزم» في محافظة وادي الدواسر فعالية وطنية انسجمت مع أعمال الحملة الشاملة لتعزيز القيم الوطنية «وطننا أمانة» التي ابتكرتها إمارة منطقة الرياض، ليكون هذا الالتقاء بداية رحلة مجالسة مع شخصية مميزة من شخصيات محافظتي «وادي الدواسر» الرفيعة تعلمت منها منذ تلك الفترة الكثير واكتسبت منها قيماً كانت عوناً لي في حياتي الشخصية والعملية.
فالعقل الراجح والحكمة والتسامح والرأي السديد صفات ربما من النادر أن تجتمع في شخص واحد ، ولكنها تجسدت جميعها في هذا الرجل الذي لم يتوان يوماً عن بذل كل ما في استطاعته لمساعدة الآخرين وتقديم النصيحة والمشورة للأخذ بيد الجميع.
كان ناصر آل راكان -رحمه الله- نموذجا في العطاء والخير والصلح، ولقد لمست ذلك عن قرب من خلال مكاتباته الرسمية في النصح والإرشاد ومرافقتي له أحياناً لإمارة منطقة الرياض الذي لم يتخلف عن مبدأ الصلح وطلب العفو من قاتلي مورثيهم لوجه الله تعالى، حتى مع معاناته ألم المرض وكبر السن؛ وعندما كان يضطره الأمر لمغادرة مدينة الرياض إلى مسقط رأسه وادي الدواسر، كان يحرص على الاتصال متابعاً لإجراءات ذلك المبدأ وتسريع الحصول عليه .
لم ولن أنسى أبداً كلمته «يا ابني» التي اعتدت سماعها منه بشعور تلقائي أنه أب للجميع، لا يبخل عليهم بالتوجيه والنصح والرأي الراجح، وكنت أصغي إليه باهتمام وأنصت لكل ما يقول، لأن كلماته كانت تحمل خلاصة سنين من التجربة أكسبته حكمة ورجاحة عقل وصواب رؤية؛ فقد كان -رحمه الله- يعامل الجميع كأب حريص على مصلحة أبنائه ، ووالد لا يبخل عليهم بالرأي والمشورة لما فيه صالحهم ونجاحهم.
كان ناصر آل راكان رجلاً متسامحاً حتى مع من قد يختلف معه وكان يتقبل ذلك بصدر رحب وحكمة وقدرة على وضع الأمور في نصابها الصحيح، وكان دائماً حريصاً على أن تكون المودة هي الرابطة التي تربطه بالجميع.
كان ناصر آل راكان مُقدَّراً من قيادة الوطن الرشيدة لأنه كان يسعى لخيرها ويكاتبها من أجل الارتقاء، لذلك جاء التقدير بعد وفاته من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود -أيده الله- الذي أجرى اتصالاً هاتفياً بأبنائه قدم لهم خلاله التعازي في وفاة والدهم -رحمه الله- والتي كان لها الأثر الكبير والبالغ في تخفيف مصابهم.
كما قدم صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن بندر بن عبدالعزيز أمير منطقة الرياض وصاحب السمو الملكي الأمير متعب بن عبدالله بن عبدالعزيز وزير الحرس الوطني وصاحب السمو الملكي الأمير خالد بن بندر بن عبدالعزيز مستشار خادم الحرمين الشريفين وأصحاب السمو الملكي الأمراء أيضاً تعازيهم، وليدل دلالة أخرى على أن أبناء هذه الوطن هم أسرة واحدة متكاملة.. رحم الله الفقيد بواسع رحمته، وألهم أهله وجميع محبيه الصبر والسلوان، و{إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}.