محمد أبا الخيل
من حين لآخر أتلقى اقتراحات وطلبات من بعض القراء والأصدقاء للكتابة في موضوع ما؛ فهناك من يريدني أن أكتب عن الخدمات الصحية، وآخر يريد أن أكتب عن ارتفاع تكاليف المعيشة، وثالث يريد الشكوى من فواتير المياه والكهرباء والتلفون.. وحتى أستجيب لتلك الطلبات والاقتراحات رأيت أن أكتب عما يمكن أن يقال له (شأن الشؤون كلها)؛ فهذا الشأن مرتبط بمعظم ما يعترضنا من تحديات وعقبات في سبيل نيل الخدمات التي نستحق، والتي توفرها الدولة من خلال برامجها وأجهزتها الرسمية، أو تلك التي توفرها شركات القطاع الخاص المرخصة لذلك.
هذا الشأن هو (المسؤولية الذاتية)، وهو شعور لازم حازم بمسؤولية الفرد عن حسن معيشة ذاته، ومحرك للطاقة الذاتية بحيث تتحرر من أَسْر العجز، وتنطلق لتحقق الإنجاز والإنتاج. فالمسؤولية الذاتية هي شعور دافع للفرد؛ كي يوظِّف قدراته وإمكاناته دون حسابات تواكل واتكال على الآخرين. فهو عندما يشعر بذلك لا يحسب حسابات تعتمد على (لو) أو (إذا)، فتلك خروق في الشعور، تتسرب منه الطاقة. الفرد عندما يستشعر المسؤولية الذاتية تتفق لديه الحيلة، ويتشبع مخه بالأكسجين؛ فينشط بالأفكار والابتكار، ويفعم بالحماس والرغبة في الإنجاز، ويتخلص من مشاعر الملل والخمول والتسبيب والتبرير للفشل.. فمن يستشعر المسؤولية الذاتية هو شخص يكافح الإخفاق بالعزيمة، ويشعر بأن حسابه مع نفسه كنفس حرة طليقة، لا تحدها الظروف أو القيود. ومن يستشعر المسؤولية الذاتية يجد في كل عقبة فرصة لكسب مهارة جديدة، تساهم في التغلب على تلك العقبة، وكلما انسد أمامه سبيل تفتق ذهنه عن أكثر من طريقة لفتح سبيل جديد.
وفي المقابل، مَن يَنَمْ نهاره، ويشتكي في ليله من قلة الفرص وضيق العيش وضعف الخدمات وغلاء المعيشة وصعوبة الكسب.. فهو شخص تخلى عن نفسه، وقرر أن يحمِّل المجتمع أو الدولة أو الأهل مسؤولية ذاته؛ لذا يجد في الحياة عناء، ويجد فيها قهرًا، ويجد فيها ضياعًا.. ومن يتملص من مسؤولياته في العمل، ويتهرب من الدوام، ويبحث عن الرخص والإجازات القسرية هو شخص أيضًا تخلى عن ذاته؛ لذا لا يستغرب شكواه من طول الدوام والملل وتعسف الرئيس في العمل وقلة العلاوات وضعف المكافآت. الإنسان الذي لا يستشعر المسؤولية الذاتية شخص أحب الشكوى في الغالب؛ لأنه لا يستطيع أن يخلق قيمة مضافة لنفسه دون الاعتماد على الآخرين؛ فهو يريد وظيفة لا تلزمه بالإنتاج، ولا بضغط العمل، ويريد مرتبًا لا ينتقص منه، وهو يبحث عن كل وسيلة لينتقص من مسؤولياته، ويريد خدمات متميزة وهو لا يخدم غيره بما يطالَب به. من لا يستشعر المسؤولية الذاتية لا يحترم حقوق الناس في المرور والوقوف أو في الانتظار؛ فذلك غائب عن ذهنه، وهو لا يستشعر المسؤولية تجاه المحافظة على ما يستخدم من مواد أو أدوات أو مرافق، سواء ذلك في الحفاظ على سلامتها أو نظافتها.
من يستشعر المسؤولية الذاتية يعرف أننا بلد صحراوي قليل الموارد المائية؛ لذا يقتصد في ذلك.. ويعرف أننا بلد لديه موارد ثروة ناضبة يومًا ما؛ لذا يحرص على حماية مكتسبات الوطن، ويعرف أن الدولة مسؤولة عن كثير من الشؤون التي قد لا تمسه بصورة مباشرة، وعليها تكاليف تنمية وصيانة؛ لذا يقع عليه مسؤولية المساهمة في تنمية موارد الدولة. وقد لا يكون ذلك بصورة مباشرة؛ فمن يجتهد في تحقيق دخل إضافي ومتنامٍ يساهم في الإضافة للاقتصاد الوطني، ومن يجتهد في عمله لينجز بصورة أفضل يساهم في تحسين وسائل الإنتاج، ومن يحسّن من خدماته التي يؤديها من خلال مرفق حكومي يساهم في تحسين الخدمات ومنع الهدر، ومن ينافس بحماس وعدالة يساهم في تخفيف أعباء المجتمع، ومن يستخدم المرافق بصورة ملائمة يحافظ على مكتسبات الدولة والمجتمع.
أرجو أن يستشعر كل من لديه شكوى مسؤوليته الذاتية، وأن يقوم بما عليه.. ولو كل منا قرر أن يكون كذلك يومًا في الأسبوع فقط لربما تغيّر الواقع لكثير من ذوي الشكوى.