محمد آل الشيخ
جاءني على (الواتس آب)، إحدى وسائل التواصل الاجتماعي على الإنترنت، رسالتان، الأولى لطلبة صغاركانوا في الطابور الصباحي المعروف، ويقوم جماعة منهم بحمل نعش عليه أحد الطلبة مسجى، يمثل حالة (الميت)، ويتحلق حوله مجموعة أخرى يشيعونه إلى مثواه الأخير..
الرسالة الثانية لخبر مفرح، وحيوي، مفاده أن وزارة التعليم ابتدأت إرسال أول مجموعة من المعلمين للخارج، بغرض التدريب في مدارس بعض الدول المتفوقة في تعليم طلابها، ليحتكوا بهم ويتعلموا منهم ويستفيدوا من تجاربهم التعليمية، ويخرجوا من عباءة التعليم المتخلف الذي اكتشفنا متأخرين أنه أحد أسباب كل مشاكلنا الأمنية والتربوية والتنموية وبالتالي تخلفنا.
الحالتان متناقضتان تماماً، الأولى مفعمة بالسوداوية وثقافة الموت والخوف من الماورائية.
الثانية مفعمة بالحياة والحيوية والتعلم من الآخرين التي من شأنها انتشال الطالب والمعلم معاً من ثقافة الخوف والوجل من الموت إلى ثقافة الانفتاح على الحياة، وعلى العالم، وعلى التفاؤل، بدلاً من تكريس ثقافة الموت وأهواله، والاهتمام به على حساب الاهتمام بالدنيا وإعمارها والعمل على تطويرها وبذل كل ما يؤدي إلى سعادة الإنسان فيها.
المدرسة في كل بلاد العالم تعدك للحياة، ولبناء الحضارة، وتلمس السبل لتطويرها، سواء كأفراد أو كمجتمعات، لتكون إنساناً حيوياً منتجاً، في حين أننا كنا -للأسف- لما يقرب من ثلاثة عقود سابقة، لا هم لنا ولا شاغل إلا الحياة الورائية، فأصبح من يتحدث عنها، وعن مجرياتها، ونعيمها هو من تشرئب له أعناق الشباب صغار السن، أما من يتحدث عن الحياة الدنيا، وكيف نبنيها، وكيف نمهد السبل لنكون في مصاف الدول المتحضرة، فهو شأن ثانوي، لا يعنيهم ولاقيمة له في قواميسهم. هذا التوجه أحادي النظرة هو الذي أدى على الواقع إلى التطرف والتخلف والتشدد الذي أنتج الإرهاب، والسعي الحثيث إلى (قتل النفس)، رغبة لاختصار الطريق وقصر الحياة الدنيا في التعبد والبحث عن الموت، لتصل إلى النعيم الدائم والمستمرالذي يتمتع فيه الإنسان بالملذات على مختلف أنواعها، وعلى رأس هذه المتع المتعة الجنسية بالحور العين، الذي هو في الغالب محروم منها في الحياة الدنيا.
إرسال مجموعة من المعلمين إلى مدارس العالم المتفوق، قرار تنموي، ستجني منه المملكة على المدى البعيد نتائج جوهرية، سيكون من شأنها إلحاقنا بالعالم المتطور المستقر، وتخلصنا شيئاً فشيئاً من ثقافة الموت والتخويف منه، لخلق جيل خائف رعديد، قضيته ما بعد الموت فقط وليس الحياة. وهذا ما ساهمت فيه الصحوة (المتأسلمة) مساهمة محورية، لثلاثة عقود خلت، فخلق دعاتها شباباً مضطرباً مأزوماً، معلقا قلبه بالجهاد، وثقافة القتل، والتفجير والتفخيخ، ومنصرفاً انصرافاً تاماً وكلياً عن حضارة البناء الدنيوية والعطاء الإنساني والتسامح مع من يختلف معهم دينياً أو مذهبياً.
وفي تقديري أن هذه البعثات للمعلمين، المقرر لها الاستمرار سنة بعد سنة لإحلال المعلم المنفتح محل المعلم المتحجر، المنغمس في ثقافة الماضي، سيكون لها أبلغ الأثر -وإن كان ببطء- في إصلاح وتقويم مسيرتنا التعليمية، التي هي بمثابة حجر الأساس لتحقيق طموحاتنا التنموية.
إلى اللقاء.