أحمد الدويحي
كنت عضواً في معرض بغداد الدولي عام 82م، وكانت مهمتي محصورة في الجانب الثقافي، ومتابعة مكونات الركن الثقافي والديني, والواقع أن مكونات هذا الركن المهم لا تتجاوز، ستارة باب الكعبة المشرفة وهي كما هو معروف، قطعة من الحرير الأسود المنقوش عليها آيات من القرآن الكريم بماء الذهب، تُكسى بها الكعبة ويتم تغييرها مرة في السنة خلال موسم الحج، ويشهد الركن الديني في كل المعارض الدولية، ازدحاماً يفوق كل الأركان الأخرى، وبالذات في الدول الإسلامية لأن المعروض ببساطة نموذج لقبلة المسلمين، ولأننا من ناحية أخرى لا نملك منتجات صناعية منافسة، يمكن أن ننافس بها الدول المشاركة المتقدمة صناعياً، فدرجت العادة على دعم هذا الركن الحيوي بمطبوعات ورقية، وعينات من الفلكلور الشعبي، يمثل مصاغ المرأة وصادف حينها أنه يمثل مصاغ المرأة الجنوبية، لكن الإشكالية كانت في المطبوعات الورقية، وقد خذلتنا وزارة الإعلام ورعاية الشباب التي تشرف حينها على الشئون الثقافية، ولم يستجيب لمكاتباتنا إلا جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، فقدمت المطبوعات التي وصلتني للرقيب داخل المعرض، وقد وصلت إلى بغداد بسهولة للعلاقات بين البلدين، والحرب الإيرانية العراقية في عزها لحصد أرواح البشر، وجاءني مراقب المعرض قبل الافتتاح بمفاجأة غير متوقعة، وقرر منع عرض المطبوعات الورقية في ركن الجناح، ولما جادلته في حق عرضها، قال جملة عن المذاهب الدينية، أخشى لو كتبتها لشطبها الرقيب المحلي - هنا.
أروي هذه الحكاية بعد مضي ما يقارب أربعة عقود، ولا أرى في واقع صناعة الكتاب والمشهد الثقافي، قد طرأ عليه تغيراً مهماً وشيئاً كثيراً، حينها كانت دور النشر المحلية غائبة، وتحرص على ملاحقة المناقصات في الدوائر الحكومية، وظلت صناعة الكتاب والمؤسسات التي تعني به غائبة، وظل الكاتب المحلي يكتب ودور النشر اللبنانية تطبع، والآن من المخجل أن يكون بيننا في مدينة كالرياض، أكبر معرض تسويقي عربي للكتاب، وتبعه أيضاً معرض جدة للكتاب، وهي أكبر معارض كقوة شرائية، وما زالت دور النشر لدينا لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة، والمضحك المبكي أن الأندية الأدبية في سياساتها للنشر، تقتفي الخطوات البائسة اليائسة التي وقع فيها المؤلف، وتعاقد كل نادٍ مع دار نشر خارجية, وطباعة الكتاب المحلي في الأندية الأدبية لا تخلو أبداً من الهوى والشللية، وكم رأينا من الكتب التي خرجت منها، وأهم بصمة حملتها بعض كتبها، فقرها الشديد إلا من المحسوبية، ولن أضيف أو أدلل لأن وكالة الوزارة بذاتها، بعد نقل مسؤولية الثقافة إليها من رعاية الشباب، تفتقر إلى سياسة نشر ودار أو هيئة للكتاب، وتلكـ سياسة معمول بها في كثير من الدول، تعني بصناعة الكتاب كواجهة حضارية، ونأمل بعد التحولات الجديدة والتغييرات، أن نشهد تغييراً إيجابياً يتجاوز المسميات إلى فعل ثقافي حقيقي.
لن أختم بدون الإشارة إلى خطوة رائدة، تميزت بين هذا الركام الثقافي السائد، حينما كنت أتناول في جناح المجلة العربية، إصدارات المجلة خلال 40 عاماً في حقول أدبية متنوعة، تم إعادة إنتاجها في كتب متخصصة وبطباعة أنيقة، أشرف عليها متخصصون في كل الحقول، شملت حسب ما أطلعت عليه:
- السرد المفتون بذاته - من الكينونة إلى الوجود - د. رسول محمد رسول
- قصائد – عبد الرحمن الشايع
- دراسات أدبية – عبد العزيز المزيني
- قصص قصيرة - عبد العزيز الصقعبي
- حوارات - سعد المحارب
- الأدب التاريخي في الأندلس - د. عبد الله بن علي ثقفان
- الفكر التربوي عند عبد الكريم الجهيمان - منيرة عبد الله الحربي
- إعلام - سعيد الزهراني
- مدن - بندر الجاسر
وربما كانت هناك حقول أخرى غابت عن نظري، لكن الخطوة المدهشة في حد ذاتها، والرؤية الإستراتيجية البعيدة المدى التي شكلت أسئلتي، والذاكرة تتلمس وتستعيد منجز المؤسسات الثقافية الكثيرة، وتطوف بالبال مؤسسات ثقافية بينها وزارة الثقافة ، والأندية الأدبية والجامعات والصحف اليومية باستثناء صحيفة الرياض فلها بعض الإصدارات، وتدور أسئلتي حول غياب صناعة الكتاب والتوثيق الثقافي، والرؤية المعرفية الشاسعة لهذا المؤسسات الكبيرة، وانشغالها في مساحات لملء الفراغ ومجرد تسجيل الحضور، دون أن تستهدف أي منها حسب علمي، بناء ثقافي تراكمي يمكن العودة إليه، والعالم ونحن جزء منه دخل في عالم الفضاء الإلكتروني.
أعرف أن لهذا المنجز الثري أرضية قديمة، لمستها في وجود الدكتور عثمان الصيني رئيساً لتحرير هذه المجلة العتيقة، وقد شرعوا في التوثيق الإلكتروني، يتضمن كل المنتج الثقافي ومددتهم برواياتي، ولكن أن يكون المنتج ورقياً ومن داخل نتاج المؤسسة ذاتها، فتلك خطوة أيضاً حديثة ومناسبة بحساب الزمن، لم يتكاسل الشاب الأنيق محمد السيف الرئيس الجديد، ليسقيها بوعيه وحسه المعرفي الرفيع، وهنا - نتأكد أن الإنسان الخلاق هو الفاعل الثقافي، متى ما كانت الأرضية صالحة للعطاء والفعل الثقافي، مما يجعلنا نتلفت إلى المؤسسات الأخرى، وبالذات الربحية منها، لنقول لهم: أين أنتم؟ ما تفعلون لا يغري ولا يكفي و لا يرضي طموحنا الثقافي!