عبدالعزيز السماري
يواجه الدكتور توفيق الربيعة، سابع وزير للصحة خلال فترة قصيرة، امتحاناً غير عادي عند مواجهة التحديات القائمة أمام مستقبل الرعاية الصحية في البلاد، فالرؤية حول هذا القطاع ما زالت ضبابية، ولا يبدو في الأفق وضوح لرؤية مستقبلها، وربما تشكل خلفية معاليه في قطاع التجارة امتحاناً آخر لأخلاقيات المهنة في الرعاية الصحية، التي تتحول إلى وحش كاسر إذا كان الربح والخسارة هدفها الأول.
يأتي مشروع خصخصة قطاع الصحة كأحد أهم التحديات، فالإعلان قد يكون سهلاً، لكن عند تطبيقاتها يظهر سابع المستحيلات، وذلك لأن تكاليف الرعاية الصحية عال جداً، ولن يستطيع المواطن في وضعه الحالي تحمل تكاليف التأمين التجاري للرعاية الصحية، لذلك لا بد من دراسة إعلان تحويل المستشفيات إلى شركات وإدخال القطاع الصحي في ملكية المستشفيات الحكومية.
من الظواهر الشاذة في القطاع الصحي الخاص وجود شخصية التاجر أو رجل الأعمال الذي ينتظر الأرباح الطائلة من أزمات صحة المجتمع، بينما كان المفترض أن يكون القطاع الأهلي أقرب للمؤسسات غير الهادفه للربح، وقد يُستثنى من ذلك خدمات التجميل بمختلف تخصصاتها، ولكن الكارثة أن يكون تقديم خدمات الرعاية الصحية العالية التكاليف والضرورية مثل أمراض السكر والضغط والقلب والسرطان والكبد والكلى والدماغ تحت سلطة أهداف الربح والخسارة.
من التحديات التي سيواجهها معاليه تجميد رواتب الأطباء من خلال الكادر الصحي منذ إقراره عام 1430 هجرية في عهد وزير الصحة السابق معالي الدكتور عبدالله الربيعة، والذي علق عليه رئيس لجنة الشؤون الصحية بمجلس الشورى أنه قرار انعكس سلبًا على أطباء المستشفيات المتخصصة، وأجبر عددًا ممن يحملون تخصصات نادرة إلى البحث عن بدائل كالعودة إلى التدريس في الجامعات، والتحويل إلى القطاع الخاص.
قد حدث ما لم يكن في الحسبان، فقد دبت الفوضى في القطاع المتخصص، بعد أن غضت الإدارة عن العمل في القطاع الخاص بالرغم من المنع، وذلك لتعويض الطبيب عن خسائره المادية خلال الست السنوات الماضية، وقد انعكس ذلك سلباً على مستوى الخدمات الطبية، ووجه الغرابة أن قرار المنع ما زال سارياً.
كانت الخسارة أكبر على الذين تربوا على احترام النظام، والتحدي أمام معاليه أن يجد حلاً للحد من فساد ثقافة العمل في المجال الطبي، وذلك إما بإلغاء قرار المنع، وفتح المجال نظامياً أمام الجميع للعمل في المستشفيات الخاصة بالإضافة إلى عملهم في المستشفى الحكومي أو إعادة الحياة للكادر الطبي في المؤسسات الطبية ثم تطبيق قرار منع ازدواجية العمل غير النظامية.
التحدي الآخر في المجال الطبي هو البحث العلمي، والذي يواجه فترة انحسار، فقد اكتشف الباحث العلمي أنه يخسر مادياً إذا استثمر في هذا المجال الحيوي، وأن نشر أبحاث علمية مميزة في مجالات مرموقة مآله الفقر والعوز، ولا بد من وضع كوادر خاصة لأولئك الذين اختاروا العمل في هذا القطاع الحضاري، فالأمة التي لا تشارك في مسيرة البحث العلمي تتخلف وتعيش على الهامش في حضارة القرن الواحد والعشرين.
تحدي مزمن آخر هو المركزية الإدارية في وزارة الصحة، فالوزارة تشرف على آلاف المستشفيات والمراكز الصحية، وربما يكون الحل في تطبيق توزيع الصلاحيات على الإدارات الصحية المحلية للمناطق، وذلك في مهمة الإشراف ثم محاسبتها على تقصيرها.
من التحديات الأخرى توحيد الأنظمة المهنية في مختلف القطاعات الصحية، وأعني بذلك أن تكون هناك مرجعية مهنية قانونية موحدة لمختلف القطاعات، وذلك للحد من التلاعب بحقوق الموظفين والممارسين الصحيين في بعض القطاعات التي تُدار بمركزية مطلقة، ويساهم وجود مرجعية محايدة في الحد من قرارات الفصل والتعسف والتسلط الإداري في المؤسسات الصحية. والله المستعان