عبدالعزيز السماري
تعمل بعض تيارات الإسلام السياسي على فرض سلطتها على العقول من خلال إدعائهم امتلاك السلطة الدينية واحتكار الحكم باسم الدين، وقد تدل أسماؤهم ومصطلحاتهم على ذلك، وعلى سبيل المثال يدخل مصطلح الإخوان المسلمين في تلك الإشكالية، فهم يختزلون أعضاء التنظيم في الأخوة الإسلامية، وبالتالي غيرهم ليسوا كذلك، وفي ذلك تطاول على الدين وادعاء امتلاك حق إلهي في تصنيف الناس إلى إخوة مسلمين وغير مسلمين أو كفار أو منافقين.
كذلك جماعات التكفير والهجرة وجماعات الجهاد السلفي، يدّعون امتلاك ما لا يحق لهم أن يملكوه، وهو سيف الله المسلط على الرقاب وحق إدخالهم للدين وإخراجهم منه، وكذلك يدخل في ذلك الطرح ولاية الفقيه، والتي يتصرف الفقيه من خلالها خارج حدود السلطة الزمنية، فهو يمثل سلطة الله على أرضه، ولعل ذلك يفتح الباب على مصراعيه في دراسة أحوال الحركات الإسلامية المعاصرة، والتي سقطت في نظريات التفويض الإلهي إما بوعي أو بدون وعي.
ومن أجل معرفة سر ذلك التحول في تاريخ المسلمين، علينا أن نعود للبدء في زمن الرسالة المحمدية، وأن نتعلم من خير الخلق الفطرة في فهم الرسالة الحنيفة، فقد احتاج عليه أفضل الصلاة والتسليم لنزول الوحي عليه من أجل معرفة أسماء المنافقين في المدينة، ولم يحكم عليهم بدون وحي وهو رسول الله للعالمين، ومع ذلك لم يفصح عن أسمائهم بعد أن كشفهم الوحي.
كذلك قصة تبرئة كعب بن ماِلك من النفاق، والذي تخلَّفَ رضي الله عنه عن غزوة تبوك مع المنافقين، ثم اعتذر إلى النبيِّ، فأرجأ النبي إعذارَ كعبٍ واثنين آخرين هُما مرارة بن الربيع وهلال بن أمية حتى نزل الوحي بتبرئتهم من تهمة النفاق.
كان تلك الدروس في غاية التأثير على صحابته رضوان الله عليهم، والذين اختصموا بينهم سياسياً، فيما عُرف بالفتنة الكبرى، وتحارب الإمام علي مع معاوية بين أبي سفيان رضي الله عنهما، ومع ذلك لم يجرؤ أي منهم أن يكفر أحدهما الآخر أو يكفر جماعته، من أجل أغراض الصراع السياسي، وليس فقط أنهم لا يستطيعون، ولكن لأنهم لا يملكون ذلك الحق الإلهي، والذي كان ينزل فيه الوحي من أجل إخبار الرسول عليه أفضل الصلوات والتسليم عن أسماء المنافقين.
لذلك كان ادعاء جماعة المؤمنين، كما يطلقون على أنفسهم، أو الخوارج كما يصفهم عليهم خصومهم، حق امتلاك سلاح التكفير خروجاً عن النهج الصحيح، وسقوطاً في فخ ادعاء امتلاك الحق الإلهي، وكان له تبعات لا تخفى عن المتابعين، وما زالت تبعاته تلاحق كثيراً من الحركات الإسلامية القديمة والمعاصرة، والتي تدعي امتلاك ذلك الحق من خلال إقصاء الآخرين إما بالتكفير أو اتهامهم بالعلمانية أو الليبرالية والتي تحمل في أدبياتهم معني الكفر لمن يخالفهم في السياسة..
تأتي خطورة الخطاب المخالف للنهج النبوي في تأثيره الخطير على الشباب المغرر بهم، وغير المتعلمين، وقد يفسر ذلك سر انقيادهم وتهورهم وانتحارهم في جرائم القتل الجماعي للذين حُكم عليهم من قبل اللجنة الشرعية للحزب بالكفر والخروج من الدين برغم من أنهم مسلمون، ولم يعلنوا كفرهم بالدين،.. ذلك هو بيت القصيد في نظرية التفويض الإلهي أو ادعاء الحق الإلهي.
سيرة النبي العظيم صلى الله عليه وسلم، تؤكد لنا أن الحكم بالكفر على الآخرين الذين لم يصرحوا بكفرهم أو ردتهم عن الإيمان بالله عز وجل ليس شأناً قضائياً أو فقهاً شرعياً، ولكن حق من حقوق الله عز وجل، ولا يحق لأي كان أن يدّعي ملكيته، ثم تبرير قتله للآخرين من خلال إطلاق أحكام النفاق والكفر والعلمنة وغيرها على من لا يعجبه فكره أو رأيه..
من خلال هذا الطرح أناشد أولئك الذين يدّعون امتلاك ما لا يملكون أن يتوقفوا عن ذلك، وأن يراجعوا خطابهم الذي يقسّم المجتمعات إلى كفار ومنافقين ومؤمنين، وأن يقدموا أنفسهم بصورة مختلفة عن تلك الادعاءات التي تقودنا إلى التهلكة والانقسام والتشرذم، فهل أنتم منتهون؟