د. محمد عبدالله الخازم
أواصل الكتابة عن إصلاح الجامعة اقتصادياً، بعد أن ركزت في المقال السابق على فكرة تحويل الدراسة الجامعية إلى منح دراسية عن طريق الحكومة لتكون منحة الطالب الجامعي هي الوحدة الاقتصادية الاساسية في تمويلها الحكومي.
3 - البند الآخر المهم في آلية دعم الجامعة حكومياً يتعلق بالمشاريع. حيث إن الجامعة السعودية لازالت في طور النمو و بحاجة دائمة للدعم في مشاريع البنية التحتية، مما يحتم دعمها بشكل إضافي في موضوع المشاريع. وهنا أقترح طريقة مختلفة لآلية هذا الدعم. تحديداً أرى بأن يكون هناك مبلغ معروف للمشاريع الجامعية، يمكن تأسيسه تحت مسمى صندوق المشاريع الجامعية، وتدخل الجامعات في منافسة للحصول على الدعم الذي تحتاجه وفق دراسات مقننة وواضحة ووفق آلية تضمن أن تحظى بالدعم الجامعة الأكثر احتياجاً والأجود إنتاجية.
على الجامعات التنافس في الحصول على ما تحتاجه لدعم مشاريعها وفق آلية نقاط واضحة أو حتى ربما وفق تصنيف و منافسة مفتوحة وشفافة للجميع، بحيث يكون هناك حد أدنى وأعلى لتلك المشاريع ومددها الزمنية. الصندوق سيكون معنياً بتقنين آلية التنافس ومتابعة التنفيذ والصرف على المشاريع المعتمدة. المنافسة العادلة والمقننة تعني عدم حصول جامعتين أو ثلاث ذوات علاقات وواسطات على الكم الأكبر من ميزانية المشاريع على حساب جامعات أكثر احتياجاً.
4 - أحد المعايير المهمة التي ننشدها من الأداء الجامعي تتمثل في جودة المخرجات ومساهمتها في سد احتياجات سوق العمل. لذلك سأقترح إيجاد بند إضافي في الدعم الحكومي يقاس بحجم أو عدد من تخرجوا من الجامعة وتم حصولهم على وظائف. على كل جامعة ، ويمكن أن تقوم بهذه المهمة الجهات المعنية بالتوظيف كوزارتي العمل والخدمة المدنية أو مؤسستي التقاعد، عبر قاعدة بيانات وطنية، رصد مخرجاتها وأين يذهبون وعليها الحرص على تخريج كفاءات يمكنها من الحصول على العمل المناسب خلال فترة وجيزة. هنا سندفع الجامعة للاهتمام بالمخرجات والمنافسة على توظيفهم في سوق العمل وليس مجرد منحهم شهادات لا قيمة لها. هذا الأمر مع ربط المنحة الدراسية بالتقدم والتميز الدراسي قد يسهم في تقليص ليس البرامج الغير مرغوبة فقط، بل تقليص نسب التسرب و التعثر لتصبح الجامعة اكثر كفاءة في ادائها.
قد يأتي هذا البند عن طريق وزارة المالية أو عن طريق جهات أخرى، كصندوق الموارد البشرية..
5 - وحتى لا يأتي أحدهم فيشير إلى ان ميزانية الجامعة تستهلك في المستشفى الجامعي أو الخدمات الطبية أو البيطرية أو ما في حكمها، ارى أن إدارة المستشفى الجامعي وما في حكمه يعتبر عملاً إضافياً تقوم به الجامعة. وهنا تحتاج المستشفيات الجامعية إستراتيجية تشغيل حديثة مستقلة عن الميزانية الأكاديمية. وتحديداً عليها التحول إلى اعتبار الخدمة الصحية خدمة تجارية تقوم بها الجامعة لخدمة المجتمع مقابل رسوم مالية يدفعها المريض أو جهة التأمين. أو تحويل إدارتها لتكون عبر ميزانية تشغيل مستقلة عن الميزانية الاكاديمية، أو حتى تخصيص المستشفيات الجامعية بالكامل مع الحفاظ على علاقة تدريبية واضحة بين المستشفى الجامعي والجامعة. هناك دول لا يوجد بها ما يسمى بالمستشفيات الجامعية وإنما تستفيد من مستشفيات منطقتها كمستشفيات تعليمية، وفكرة المستشفى الجامعي ليست حتمية، متى وجدت آلية تعاون واضحة مع مستشفيات المنطقة.
إيجاد التغيير المقترح أعلاه في ميزانية ودعم الدولة للجامعة، سيحرر طرقها الاستثمارية برفع كفاءتها وتحفيزها للاستفادة القصوى من المنح الدراسية والدعم المتاح للمشاريع والبحوث ومن بيع الخدمات الخدمات. كما سيحفزها إلى تطوير وتنويع مواردها الذاتية من الأوقاف والهبات والاستثمارات. سنجد الجامعات تحرص على تطوير نظمها الداخلية لتعمل كمؤسسات مستقلة ذات كفاءة اقتصادية وأكاديمية، وليست مجرد دوائر حكومية بيروقراطية.
تلك رؤية أو مشروع لتغيير نظام تمويل الجامعة ليصبح مرتبطاً بالمنتج وجودته، وهي الرؤية التي ستقود إلى استقلالية الجامعة وستسهل آلية تقييم إدارتها ومحاسبتها. بل أجزم أن الأمر سيتجاوز إثارة الجوانب الاقتصادية أو التمويلية إلى الجوانب الأكاديمية والفكرية والإدارية للجامعة.