د. محمد عبدالله الخازم
موضوع التحول الوطني أصبح شعار المرحلة القادمة، ورغم عدم توفر كثير من التفاصيل إلا أن الأخبار التي تصلنا تشير إلى وجود اجتماعات مكثفة مع فرق عمل متنوعة وعلى مستوى القيادات والوزراء والخبراء المحليين والدوليين لمحاولة صياغة برنامج تحول لمستقبل الوطن. الواضح في جميع تلك الجهود، هو التركيز على الجانب الاقتصادي ولا يعني ذلك أن الحديث هو من وزارة الاقتصاد فقط، بل إن الخدمات الاجتماعية كالصحة والتعليم والشؤون الاجتماعية هي الأخرى أصبحت أجندتها اقتصادية، تبحث عن الترشيد وعن الخصخصة وعن توفير موارد أخرى.. إلخ.
من هذا المنطلق لن أكتب اليوم عن الجوانب الفكرية للجامعة السعودية، والتنوع والمسؤولية الإجتماعية وغير ذلك من قضايا التعليم التي تعودنا مناقشتها، رغم أنها جميعاً من مقومات التحول الوطني المطلوب، وإنما أطرح أفكارا في آلية تمويل الجامعة. هذه الأفكار أحملها معي وأكررها منذ سنوات، لعله يأتي من يمسك بطرفها ويتأملها ويطورها إلى برنامج عمل واضح!
جامعاتنا الحكومية - سنفرد مقالاً آخر للأهلية- وطريقة تمويلها من قبل الدولة في الوقت الراهن تتم وفق طريقة تقليدية لا تفرق بين الجامعة وأي دائرة حكومية أخرى وليس علاقة بالأداء وجودته. بل إن الجامعات تتفاوت في ميزانياتها السنوية بناء على معايير غير واضحة وغير عادلة على مستوى الجامعات، حين قياسها وفق المدخلات والمخرجات. لذلك يبدأ الإصلاح الاقتصادي من ربط التمويل ونقد هنا الميزانية الرسمية أو الدعم الحكومي، بالأداء وبالمنتج، ومن حسن حظنا أن منتج أو مخرجات الجامعة الرئيسة واضحة وبالإمكان فهمها وتحديدها. بعد المقدمات، اقترح النقاط التالية المتعلقة بتمويل الجامعة الحكومية...
1 - ميزانية منح دراسية وهذا سيكون البند الرئيس، فحسب عدد ونوعية الطلاب الذين ترغب الدولة في دخولهم الجامعة يتم تمويل الجامعات. على سبيل المثال ربما ترى الدولة بأنها تريد التحاق 200- 300 ألف طالب فقط بالجامعات يتوزعون على الجامعات وفق نسب ومعايير محددة يضمن أن يأتي جزء كبير من ميزانية الجامعة وفق ذلك العدد. ولنفترض أن الدولة قدمت لإحدى الجامعات 40 ألف منحة دراسية بمعدل 50 ألف ريال مقابل كل منحة، فهذا يعني أن دخل الجامعة من المنح الدراسية الحكومية سيكون ملياري ريال وهو مبلغ جيد لتشغيل جامعة بهذا الحجم. ستتمكن الدولة هنا من توجيه النسب التي تراها للتعليم التقني والفني والجامعي...
طبعاً؛ الجامعة تستطيع توفير منح أخرى، سواء عن طريق موادرها الذاتية أو عبر الحصول على رسوم دراسية يدفعها الدارس أو ذووه. بمعنى آخر تصبح الوحدة الاقتصادية هي المنحة الدراسية و تشمل خليط من نماذج الدراسين؛ من لديه منحة حكومية كاملة ومن لديه منحة جزئية ومن لديه منحة من الجامعة أو جهة مانحة أخرى ومن هو دارس على حسابه بالجامعة. هذه الآلية ستجعل أداء الطالب الجامعي مرتبطاً بالدعم الذي يحصل عليه، فإذا كان أداؤه متميزا يحظى أو يستمر بالحصول على منح دراسية كاملة، ولكن عندما يقصر فتتأثر تلك المنحة سلباً كأن تصبح مجرد رسوم دراسية وليس لها مكافأة أو تتناقص تدريجياً وفق أدائه حتى تتلاشى، وغير ذلك من الآليات التي تربط المنحة الدراسية بالأداء. مثل هذه الخطوة سيكون لها الفارق ليس فقط في التنظيم المالي، بل في تكوين شخصية الشاب أو الشابة السعودية، لأنه سيستوعب بأن الحصول على الفرصة الدراسية بالجامعة، محكومة بمعايير وعليه المنافسة والجدية للحصول عليها أو المحافظة عليها...!
2 - البحث العلمي هو الوظيفة الثانية للجامعة، وهناك جهات معنية بدعمه مثل مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم التقنية وربما يقترح تأسيس صندوق إضافي للبحث العلمي يدعم البحث العلمي بالجامعات وفق عمليات دعم البحوث التنافسية المعروفة. هي مهمة الجامعة وأساتذتها المنافسة في البحث عن موارد للبحث العلمي سواء من مصادر الدعم المعروفة أو عن طريق تسويق خبراتها ومشاريعها البحثية...
في المقال القادم أكمل المقال بطرح بقية الأفكار المتعلقة بإصلاح الجامعة اقتصادياً...