د.ثريا العريض
سألتني صحفية أن أعلق على إجابة سمو ولي ولي العهد على سؤال بلومبيرج له في مقابلتهم مؤخراً, حول موقف المملكة الرسمي من أوضاع المرأة السعودية مشيرين لمنعها من قيادة السيارة.
لن أسهب بما دار في حواري معها ولا حوار الأمير. اختصر فأقول لقد أبلى بلاء حسنا في تحويل السؤال المفخخ إلى فرصة تثقيف. السؤال حول المرأة أو القصاص يتكرر في حوارات الإعلام الغربي معنا. ولكنه هذه المرة دفعني لتقييم مدى نجاحنا في الحوار مع الآخر, وفاعلية إعلامنا الخارجي والناطقين باسمنا في المحافل والملتقيات رسميا وفرديا, وفي وسائل الإعلام الدولية, ونحن في أوج تحديات وتأزمات اقتصادية وسياسية تتداخل فيها قراراتنا بمصالح ومواقف الأطراف الأخرى, سواء الدول أو الفئات الشعبية.
مهم أن نوضح لأنفسنا هدف وجدوى الوقوف في المنابر الدولية للحديث عن قضايا مجتمعنا؛ هل هو الدفاع عن مواقفنا؟ إقناع الآخرين بأننا على حق؟ أم فقط استجابة لدعوة لا نستطيع تجاهلها لأن التجاهل في حد ذاته يسجل موقفا ضدنا يهمش عضويتنا دوليا ؟. ثم وهو السؤال الأهم: ما الذي نحققه من مكاسب بالحضور الإعلامي في الخارج والوقوف أمام فوهة مدفع الإتهام, إن كنا نتوجه للمتلقي الخارجي محصورين في نفس إطار التفسيرات والتبريرات والأسلوب الذي نستخدمه مع الأقربين؟ وربما ينفع فقط مع فئة بعينها في الداخل؟ في ذات الوقت الذي ينشط فيه تداول آراء المعارضين خارجياً, وهي تستعرض كل ما نحاول ألا نتطرق إلى وجوده من اختلافات الرأي داخلياً؟
هل ينفع أن يلجأ الإعلامي أو مسؤول رسمي كعضو شورى مثلاً إلى إجابة مستهلكة مثل «خصوصيتنا تفرض علينا ما تتساءلون عنه»؟ هل سيقنع مثل هذا الجواب الطرف الآخر؟ وهل القصد أن نقنعهم؟ وكيف يؤثر ذلك على موقفنا مقابل بقية العالم حين يؤطرون ما نفعل بأنه فعل غير حضاري؟ هل ينفع أن نذكرهم بأن المجتمعات التي يرونها حضارية ليست مجتمعات مثالية، وأن فيها من الجرائم والموبقات ما يجعلنا نصنف ما نراه مدعاة للرفض الجازم بأننا لا نريده عندنا؟ الحقيقة أنهم قد يعترفون بنقائص مجتمعهم وجرائم الأفراد فيه ولكن ذلك لن يجعلهم يقتنعون بأن مجتمعنا مثالي أو هو الأفضل للاحتذاء. وهم في ذلك لا يختلفون عنا.
لماذا يتعرض الدعاة إلى تفاعل سلبي, شعبي أو رسمي؟ مؤخرا أطلق الرصاص على داعية معروف، ومنع غيره من الحصول على تأشيرة دخول إلى بلد عربي أو غربي لأي غرض وبالذات لإلقاء خطاب لحضور عام.
ولو تركنا مسألة الدعوة والتوجس من تأجيج الحضور وتحفيزهم على الجهاد بصورة فردية, كيف نقيس نجاح أو فشل من يتحدثون عن العرف وكأنه التوجه الرسمي بتعميد فعلي للقيام بهذا الدور أو بدون؟ وماذا نفعل لحماية مشاركينا في المؤتمرات من الوقوع في شباك المتصيدين المتقصدين إثبات تصنيف التخلف أو الدموية أو عداء الآخر؟
حين يلتزم المتحدث بالكلام في تخصصه العلمي يكسب احتراماً وتقديراً كطبيب أو باحث في العلوم، ولا يحقق ذلك حين يتطرق إلى جوانب لا علاقة لها بتخصصه, يجرجره للحديث عنها سؤال ملغم مسبقا حول ممارسة تخص موقفنا من العمالة أو النساء أو قيادة المرأة!
لا شك أن الحوار مع الآخر يتطلب ثقافة ومعلوماتية ولياقة ولباقة, حتى ونحن نؤكد التزامنا بمواقفنا من شتى القضايا, سياسيا ودينيا واجتماعيا, في إطار العلاقات الثنائية والدولية والإنسانية. وهذه الثقافة واللياقة واللباقة المطلوبة تتطلب إعداد المتحدثين لكي لا تأتي الإجابات منفرة بدلاً من أن تقرب الآخر منا. وتتطلب أيضاً حسن اختيار من يرسل ليمثل الموقف الرسمي, أو تناط به مسؤولية الكلام, لكي يستطيع أن يحول أي سؤال ملغم إلى فرصة لتثقيف الآخر إيجابياً.
وفوق هذا, يتطلب أن نحقق التحول المجتمعي فكرياً, ليكون ما نقول عن واقعنا وممارساتنا فعل حب صادق يوضح تطلعات مجتمع متحضر راقي يطبق تعاليم «الدين المعاملة» في ممارساته اليومية. ونحقق أيضاً عضوية دولية يحترمنا فيها الآخرون لرقي تعاملنا الداخلي وحضورنا الخارجي.