د.ثريا العريض
في أول جلسة بملتقى «مغردون» الرابع حاور المجتمعون الذين اكتظت بهم قاعة الاجتماع خمسة من وزراء الخارجية الخليجيين حول تجربتهم الشخصية في «التغريد» على تويتر. وتابع الملتقى آلاف في بيوتهم عبر بث البرنامج حيًّا على موقعه. كان مطمئنًا أن نراهم يواجهون الأسئلة، ويجيبون عنها بأريحية، ودون استعداد مسبق ولا صياغة رسمية.. تجربة حية لم تكن قابلة للتفكير بها قبل عصر التقنية.
كانت المفاجأة أن حضر سمو الأمير محمد بن سلمان وزير الدفاع وولي ولي العهد. خطرت في بالي وقتها فكرة: لو أن سموه كان على المنصة، وكان للمجتمعين أن يوجهوا أسئلتهم إليه، فماذا كانوا سيسألون؟ بالتأكيد عن الموضوع الذي يشغل بال الجميع هذه الساعة: «برنامج التحول الوطني». الكل متعطش لمعرفة تفاصيل خططه وإجراءاته بمئات الأسئلة العامة والمتخصصة حول شتى الجوانب التي تمس الفرد، ومرتبطة بالمرحلة الزمنية، ومتبلورة في المستجدات.
لو أُتيحت فرصة الأسئلة لربما انطلقنا من اسم البرنامج. هو «تحوُّل» وليس تغييرًا أو تطويرًا. أي أنه يرتكز على الإتيان بوضع جديد مختلف تمامًا عما سبق. هل يمكن أن يحدث ذلك؟ نعم! خاصة في انعدام خيار الانتظار للتغير الطبيعي أو الموارد المفتوحة للتطوير دون تحفُّظ. وربما التحوُّل هو الطريقة الأسرع والأجدى؛ فالكل يعرف أن الانتقال إلى بيت جديد مبني بمواصفات أحدث وأكثر مناسبة للاحتياجات هو خيار أجدى من ترميم بيت قديم. وقد مرت بالتجربة دول أخرى مثل سنغافورة وماليزيا بنجاح.
ولو فُتح باب الأسئلة لربما تركزت ليس على الجانب الاقتصادي العام أو السياسي الدولي, بل على التفاصيل الشخصية التي تلامس أحلام وأشجان المواطن ومعاناته اليومية مع أوضاع المجتمع وأعرافه: التوظيف وفرص العمل والحريات الشخصية؛ ففي كل اجتماع حضرته مع مسؤول في الدولة تتكرر الأسئلة حول حقوق الإنسان وتصرفات الضبط وبطء الأجهزة وعدم سياقة المرأة وتعثر العناية الصحية والاستهلاك وتصاعد الأسعار وأحزان المتقاعدين والعاطلين.. ثم ربما يسأل البعض عن النواحي الأمنية وتمدد الظلال الداعشية الكئيبة في الجوار وفي بعض أنحاء الدار.
الكل يريد أن يعرف كيف سيمسه هذا التحول الموعود في أداء أجهزة الدولة العليا منعكسًا في معيشة المواطن. هل سنرى المزيد من الأمن والاستقرار؟ هل ستفتح فرص اقتصادية ومجالات للاستثمار والعمل؟ هل ستقلص أعداد الوافدين؟ هل ستجرم أفعال الكراهية والتأجيج والتحريض والتكفير والتشهير وسب الآخر؟ هل سيعاقب المتعدون على غيرهم بالقول والفعل؟ هل سيصدر قانون الأحوال الشخصية؟ وتدون أحكام القضاء؟ هل سيسمح للمرأة بالسياقة والسفر وتولي مسؤولياتها الخاصة؟ هل سيتعدل قانون المرور؟ وتعدل أحوال التصرف العام في الشوارع؟ هل سيعاقب التحرش؟ هل سيفعل هذا نظام أو ذاك؟
ربما المواطن يحلم فقط بأن ينام دون شعور بالخوف أو القلق أو التوتر. المتخصصون والمخططون يفكرون بالإطار الأوسع الذي تسبح فيه هذه الأحلام، الإطار الاقتصادي, ومصادر الدخل والإنفاق العام, وميزانية الدولة ومسببات الهدر, وتجاوزات الأفراد والفساد الإداري.
كيف نتحول من جو عام مليء بالمنغصات، رغم كل مليارات الريالات التي صبت في مشاريع التنمية على مدى عقود, إلى مجتمع منظم بعلاقات مقننة ومطبقة، يعمل أفراده بمواصفات الانتظام والاستحقاق والتأهيل والكفاءة, وليس معتادات سلبية من التحيز والواسطة والاتكالية والبربرة والزمجرة, دون حركة للمساهمة في حمل المشروع التنموي الاقتصادي والتنموي؟ كيف نجعل الحياة منجزًا وليست همًّا؟ ندخل الترفيه الراقي في حياتنا دون أن نشعر بالذنب أو الخوف أو نضطر للسفر؟
اليوم إذ تعلن رؤية التحول الوطني ستجاب عن بعض الأسئلة الإطارية, ويتضح ما سينال المواطن والمطلوب منه. برنامج التحول سنتحول به من توجه أسئلة اجترار الماضي إلى توضيح لاستراتيجية تنظيم المستقبل.