ناصر الصِرامي
البحث المعمَّق في شعبية الرياضة إجمالاً، وكرة القدم بشكل خاص في محيطنا، يجعل أشياء كثيرة ذات علاقة مفهومة بشكل أفضل..!
شخصياً أحب الرياضة إجمالاً، ليس فقط في جمالياتها، وفي كونها تمنحنا وقتاً مستقطعاً عن الحياة ومشاغلها، وأذهاننا المعلقة بأكثر من همّ واهتمام. أو حتى كون ممارستها تمنحنا المزيد من اللياقة والصحة.
بل ولأنها أيضا بالنسبة لنا المساحة الحرة الأوسع المتاحة والمتفق عليها..!
كرة القدم الساحرة فيها الكثير من المتعة، حتى التعصب الذي لا يُرضي البعض هو جزء من إثارة اللعبة، جزء من هذه الأجواء التي تأخذ الجمهور للمنافسة والتحدي..!
الرياضة أو كرة القدم تحديداً هي الحب والجنون والمسموح والمشروع اجتماعياً، ولدينا قد تكون هي الوحيدة، التي يقبل أن تخرج بنا أو نخرج بها خارج النص.
وجمهورها المجنون أو المسحور أو العاشق هو يشبه نهراً جارفاً لا أحد يمكن أن يوقفه، أو يعارضه.
هل سبق وأن وجدتم شيخاً أو داعية - مثلاً - يُواجه الجمهور الرياضي، طبعاً لا.. الداعية والشيخ الجماهيري يدرك جيداً أن جمهور الرياضة أقوى، وأضيف وربما أقل أدباً من جمهوره. ونفس الأمر ينطبق على الفنانين والمشاهير!
إعلامياً وصحفياً، في الرياضة حرية ومساحة للنقد والكتابة لا يمكن أن تتوفر في أي قسم أو مجال آخر، حيث تشتعل الصحافة الرياضية بالميول والألوان وصخب لا يضاهيه أي قسم في صحيفة أو مؤسسة إعلامية، أمر عايشته في العمل الصحفي من الصحافة الورقية للمواقع الإلكترونية وصولاً إلى شاشات الإعلام المرئي، وحتى محطات الإف إم المسموعة..!
وفي الوسط الرياضي سطوة جماهيرية لا يُستهان بها أبداً، سطوة تجعل العاملين في الجهاز الإداري والفني يحسبون لها ألف حساب.
وباستثناء بعض الشركات المساهمة، يندر أن تجد مسئولاً أو مديراً أو حتى وزيراً لدينا يستقيل، لكنه غالباً قد يُقال بناءً على طلبه!
فيما استقالة رئيس نادٍ أو إقالة مدرب قد تحدث في وقت قصير بسبب قوة أو سلطة الجماهير لهذا النادي أو ذاك.
صحيح أن البعض يعتقد أن الاستقالات الرياضية الحالية تعود لغرق الأندية الكبيرة في الديون، والتي قد ينشر كشف حساب لها..!
لكن تلك مجدداً قصة أخرى، فأكثر الاستقالات والإقصاءات تتم بسبب الحرية الصحفية الأكبر في الإعلام الرياضي، إضافة إلى قوة صوت الجماهير الرياضية، والتي تسهم وسائل التواصل الاجتماعي في زيادة تأثيرهم ونفوذهم!
الحقيقة أن كرة القدم تحديداً، وما يحدث في الوسط الرياضي تعلمنا الكثير، والكثير من الحراك والتحولات التي نفتقدها في مجالات عديدة راكدة منذ زمن!
في الوسط الإعلامي كنّا نتساءل دوماً عن سر قدوم الهامات الصحفية من الإعلام الرياضي، أسماء معروفة جداً قادت الإعلام السعودي لعقود ولا تزال.. ويمكن لي أن أسرد عشرة أسماء على الأقل من الماضي القريب والحاضر..!
وكان السؤال كيف أصبح الإعلام الرياضي طريقاً لقيادة مؤسسات إعلامية، لكن أعتقد أنني في هذا المقال قد شرحت أحد الأسباب المتمثلة في تلك المساحة الحرة باستمرار وشبكة العلاقات التي توفرها.. والحرية الإعلامية الرياضية لا توفر أميراً أو كبيراً.. حيث مقياس النجاح وأضح ومباشرة البطولات واستمرار المنافسة عليها. وأضيف أن التصريحات والوعود الرنانة تتفوق أو تتكسّر في الميدان!
يبدو أن الفكرة وصلت، لكنها تشعّبت عن كرة القدم باعتبارها تجربتنا الشاملة في الحب والتعصب والحرية أيضاً.. والتغيُّر.. وعليَّ أن أتوقف هنا.. إلى اللقاء.