د. هيا بنت عبدالرحمن السمهري
الطائف تلك الباسمة بورودها وبرودها، وذلك الفضاء الذي يشبه أطواق الجمال حينما تحيط بأعناق الحسان، وتلك المدينة التي يبلل العطر رداءها، ويغمر القطر سماءها، وتصحو على قطرات الندى رياضها وحياضها، وتلك الربوة العالية التي تعانق السحاب حتى غنَّى شعراؤها جذلاً،،،
يا طائف من في هواك يُلامُ؟!
وتساوقت بقريضك الأعيانُ
تاريخ مجد شامخ بأوائل
لوحات عز صاغها فنانُ
وتقع الطائف على السفوح الشرقية لجبال السروات، وفي حضن جبل «غزوان»، وتبعد عن العاصمة الرياض 900 كم، ويربطها بمكة المكرمة طريقان، الأول قصير عن طريق جبال العالية، ويسمى «الهدا»، والثاني طريق سريع مزدوج «طريق السيل الكبير».
وفي الطائف ليس ثمة خيام ولا أكواخ ولا أطلال مبعثرة، بل رؤية حضارية خاصة يتمازج إنسانها مع حضارة مدينته، ويسعد حين يزرع حقولاً موروثة، مستمتعاً بمهرجان الجمال الذي توشى من الطبيعة وتوشحها، فهناك حشد من الصناع والزراع أنجبتهم أرض الطائف فحملوا الشغف للأرض واعتصروا من طبيعتها إعلان حب يتساوق مع رونق المكان، متمثلاً في إطلاق المهرجان السنوي للورد الطائفي، وقد استعدت مدينة الطائف لإطلاق المهرجان في نسخته الثانية عشرة غرة شهر رجب القادم - بإذن الله - ليكون احتفاء عام 1437 في قرية الشعلة السياحية، وكأن المهرجان القشيب حِمى أزلي لمنابت الورد ذات النفاذ العطري، ولم تكن وظيفة المهرجان في سنواته الماضية والحالية وظيفة تزيينية فحسب؛ إنما هو مهرجان حضارة واقتصاد واجتماع حميم بين الطبيعة والإنسان في مؤتمر لافت فريد أقيم من ورود الطائف ولها، وحفز للإنسان هناك على المحافظة على ذاكرة المكان العطر منذ الأزل، وثمة إشارات توحي بحب صناعة العطر، واستخلاصه من روح الطبيعة هناك، والحنين إلى الحرفة المؤصلة هناك أيضاً، وتجاوز اللحظة الحاضرة إلى لحظات ثرية قادمة؛ تخطط لمستقبل الصناعات القائمة على الورد؛ واستزراعه، وتؤصل لعشق طبيعة المكان التي تسكب عطاءها عطراً، فعندما صدح القائمون على صناعة المهرجان بخطاب الجمال فيه كأنهم تمثلوا نداء بائع الورد في الأغنية الشعبية الشهيرة:
وردك يا زارع الورد فتّح ومال على العود
كلك ربيع الورد منك الجمال موعود
وردك جميل ما أحلاه فتح على غصنه
لما الذي حياه نوَّر وبان حسنه
وفي مهرجان الورد الطائفي الذي بدأ موسم قطاف وروده منذ أسابيع، وفاح شذاه في مواقع متفرقة من مدينة الطائف, واستقبلت معامل التقطير كميات وفيرة منه، وكانت الورود تقطف في صباحاته؛ حيث يستشرف العطر قدوم زائريه بلهفة وافرة، وقد برر أحد العاملين على الصناعة أن التبكير في قطف الورود قبل وصول النحل إليها وارتشاف رحيقها، وبعد عمليات قطف الورود تلتف الورود على بعضها في حاويات أعدت لذلك، وتستكمل الورود رحلتها لمعامل التقطير، وقد توضع في قدور لطبخها إذا ما كان الصانع يعتمد فلسفة الصناعة القديمة للتعامل مع الورود في حال اعتصار عطورها، ولكنّ مضمار الصناعة القديم يستغرق ساعات عدة كما ذكر أصحاب الصناعة. وبعد عمليات الإنتاج تحط عطور الورد الطائفي رحالها في الأسواق التي تشهد حراكاً واسعاً في حجم المبيعات، وهنا ينتعش الجانب الاقتصادي لتلك الصناعة، وتعد في الحيز الاقتصادي قناة مورد داعم....
...., وفي مهرجان الورد الطائفي الذي يقام احتفالاً بتلك الصناعة نلمس احتفاءً آخر أيضاً بذاك التسلسل في لوحات أخاذة يتصدرها توليد الجانب التصويري لمنتج طبيعي يُعَدُّ من موروثات الصناعات الشعبية القديمة، وإن أشرق بها الحاضر والحضارة، ويُعَدُّ من أثمن وأغلى الهدايا التي يتهادى بها الأصفياء والأحباب؛ حتى نافس عطور العالم حين وصل أسواقهم، كما أن المهرجان فرصة وطنية للشباب للتخطيط والترويج للمنتج الأصيل الذي عشقوه ثم استنبتوه وتعهدوه، كما هو فرصة سانحة أيضاً لاكتساب الخبرات من العارضين من الخارج في المجال ذاته, كما أن المهرجان للإعلام رمز للعصر والزمن بما يحتويه من معاني الاحتفاء بالأرض، ومعطياتها الجزلة، وجعلها وجهة للسياحة، ومحطة للتفاعل المحلي والخارجي, ومن ثم فحصاد المهرجان مكسب وطني وبشري للإسهام في التنمية المعتمدة على النواتج المحلية، والاعتزاز بالموروث المحلي من الصناعات، واستجلاب الفرص لأصحاب تلك الصناعة للاستفادة من التقنية الصناعية الجديدة؛ وكذلك إمتاع الزوار وإشباع رغباتهم ....، ومن سوانح مهرجان الورد هذا العام أنه تزامن مع موسم قطاف الورد، وحتماً سيكون - بإذن الله - نجاحاً آخر لتسويق منتجات المهرجان، ودعم المعروض والعارضين، والأسر المنتجة لذلك النوع من العطور المستخلصة من روح الطبيعة،،،
ومن هنا دعوة للقاء الورد الطائفي في مهرجانه السنوي حين انعقاده قريباً - بإذن الله - والاستمتاع بلوحات وفعاليات المهرجان، والاطلاع على المتحف الذي يضم تاريخ هذه الحرفة الشعبية الأصيلة المستقاة من طبيعة الطائف الخلابة،....
وحفزٌ آخر لمشاهدة نموذج حي نامٍ لمعمل تقطير الورد، واستخلاص دهنه، وتعبئته وتغليفه تمهيداً لتسويقه محلياً وخارجياً.
ولإدارة المهرجان والقائمين عليه حوافز أخرى تضيء الأرواح، وتشرق على أرض المهرجان وفي ثنايا الورد في محضنه الجميل مدينة الطائف،،، فالورد وعروس المصايف ثنائية معطرة صفق لها الذين يعشقون الشذى, ويلثمون الأرض حين تعشق الغيم والديم والجمال.
غرد القمري وفي الطائف شدا
والشفا تضحك لها ورود الهدا