خالد بن حمد المالك
لا أحد يقبل بأن يكون طرفًا في معترك المنافسة الشريفة والحقيقية وذات الأبعاد الصادقة إلا أن يكون من الناس العقلاء؛ فهؤلاء يبحثون عنها، ويسعون إليها، ويجدون فيها قوتهم ومتعتهم.. وما عداهم فهم الأعداء الألدة لها، المبغضون لكل ما يؤدي إليها، أو مَنْ يتحدث بثقافتها، ضمن الخوف من النتائج، والتهيُّب من ردود الفعل، والرغبة في الهروب إلى الأمام لتجنب أي تحديث أو تغيير أو تجديد لما ألفوه واستطاب لهم.
* * *
والمنافسة بين الصحف الخالية من التشويه والإساءة والادعاء تنبع عادة من وعي الصحفي وتمسكه واحترامه للرأي الآخر. وحين يخرج الطرف الآخر عن طوره؛ فيرمي غيره بالإساءات، مع أنه قد يكون أحق بها منه، فهو إنما يقدم بذلك نمطًا لضيق الأفق لديه، مؤكدًا خروجه عن النص عندما يحتد النقاش؛ وبالتالي التسليم بأنه لا يملك ما يُقنع به الآخرين.
* * *
والعقلاء هم أولئك الذين ينأون بأنفسهم عن ذلك النمط من النقاش، فيحترمون عقل غيرهم ومنطقهم؛ باعتبار أن ثقافة الحوار تمثل شخصية الإنسان صعودًا أو هبوطًا. وذو الحظ الجيد هو مَنْ يتعامل مع المنافسة تعاملاً عاقلاً، تقود بصاحبها نحو المزيد من النجاح والتفوق، بينما يكون الطرف الآخر على النقيض من ذلك؛ لأنه لم يعوِّد نفسه على أن ينظر للحياة بكل تفاصيلها وأنماطها ونوعية العمل فيها على أنها دائمة التغيير، وأنه من المستحيل أن تبقى على حالها؛ فهي اليوم لك، وغدًا قد تكون لغيرك.
* * *
ومن يتابع الحوارات، وتبادل وجهات النظر بين الصحفيين، بما في ذلك قياداتهم، ويتوقف أمام معلومة مختلَف حولها؛ وبالتالي قد يقتضي عندئذ من المرء أن يدلي بدلوه - كغيره من الناس - ضمن الإفصاح عن وجهة نظره، فقد يتطور النقاش - ضمن طبائع الناس - فينحو من لا يملك معلومة موثقة أو حجة دامغة إلى ما يسمى (الجدل البيزنطي) لإفراغ محتوى هذا النقاش من قيمه وحقائقه هروبًا من المواجهة، وبأمل حفظ ماء الوجه بأقل الأضرار.
* * *
المنافسة بين الصحف إذًا - وكما أفهمها - تأتي دفاعًا عن الحق، وبافتراض أن الصحفي يخوضها من أجل أن يتبوأ هو أو الصحيفة التي يعمل فيها المكانة التي يستحقانها، مسبوقة بإيمانه بأن الغلبة تكون دائمًا حين حضور الكلمة الأمينة والرأي الصادق، وقبل ذلك من تشهد له أعماله بالتفوق والتميز والتعامل الحسن مع من يختلف معه، بل مَنْ تتحدث عنه أعماله بأكثر مما يقوله عن نفسه وعن صحيفته. وأخيرًا لا آخرًا، مَن يشهد له غيره، لا بما يقوله عن نفسه. وبالتأكيد، فإن من يقارع غيره بغير هذا المفهوم، وبغير هذا السلاح، فسيظل خارج سرب المنافسة الحقيقية. وهذا خطؤه؛ وهو المسؤول عنه.
* * *
والسؤال: متى تكون لدينا في مؤسساتنا الصحفية القدرة والإرادة والتصميم؛ فنواجه بعضنا بالشجاعة التي ينبغي أن تكون حاضرة أمام الحقائق دون تدليس، وضمن ثقافة الحوار الأمين والصادق المدعوم بالحقائق؛ فنعترف بما ينسجم ويتفق مع الواقع، حتى ولو كان هذا في غير صالحنا وفي غير ما نتمناه لأنفسنا، وصولاً إلى معالجة يحترمها الجميع متى تأكد خطأ التقدير عند أي منا في عالم متجدد، يعتمد على المسوحات والإحصاءات والأرقام والتواريخ، مما تظهر معها حقيقة ما، قد يكون مثار جدل أو خلاف لم يكن قد حُسم بعد بين الناس، أعني بين القيادات الصحفية أو بين الصحفيين!!
* * *
أقول هذا الكلام، وأرجو ألا يساء فهمه، أو يفسَّر بغير ما أقصده، أو أن يتم إسقاطه على أحد الزملاء، أو على أي من الصحف الزميلة، وهو - بالتأكيد - ما لا أقصده. على أن مناسبة هذا الكلام استدعته صدور هذه الصحيفة بشكل مغاير لما ألفه قراؤها من حيث الشكل والمحتوى، بأمل أن يكون هذا العدد الخطوة الأولى في الطريق الطويل نحو ما هو أفضل.