د. محمد عبدالله الخازم
يتساءل البعض: لماذا لم أعد أكتب كثيراً في الشأن الصحي، مؤخراً، بالرغم من اهتمامي المعتاد به. أجيب أنني آثرت انتظار رؤية تصدر عن الوزارة الجديدة للصحة، التي لم تتبلور وتوضح لنا وكل ما نقرأه أو نسمعه لا يتجاوز تصريحات وتسريبات عمومية لا تستحق أن يُطلق عليها رؤية تطويرية شاملة. نحاول أن نمنحهم الوقت الكافي، ولا نخفي قلقنا بأن محاولة تطوير رؤية ضمن فئة قرار صغيرة دون إشراك أكبر عدد ممكن من ذوي العلاقة يُشكِّل خطراً، وخصوصاً أن قيادات وزارة الصحة الجديدة أتت من شركة منعزلة عن القطاعات الصحية الرئيسة وبحاجة إلى وقت لتطوير الرؤية الشمولية لمشاكل القطاع الصحي وإدارته.
سأركز اليوم على جزئية بدأها معالي وزير الصحة بقوة وحماس تتمثّل في القوى العاملة وتأهيلها وتدريبها، حيث بدأ باجتماعات مع مسؤولي كليات الطب ومسؤولي وزارة التعليم وكرر في مناسبات عدة اهتمام الوزارة بالعنصر البشري كركيزة في تطوير القطاع الصحي. رغم كل ذلك الحراك الذي قام به الوزير، إلا أن التغير على أرض الميدان متواضع جداً، بل إنه يسير للأسوأ، وهذا يعني أحد أمرين؛ إما أنه مجرد حراك إعلامي ليس له منهجية عملية واضحة، أو أن معالي الوزير يُعبر عن طموحات شخصية لم يستطع تمريرها للطواقم العاملة معه في الميدان الصحي.
الأطباء هم العمود الفقري في نظام القوى البشرية الطبية، فماذا قدم معالي الوزير وطاقمه الجديد بالوزارة لحل مشاكل أطباء وزارة الصحة؟ ماذا قدم من مبادرات لاستقطاب المزيد من الأطباء سواء السعوديين أو الأجانب؟
أليس مخجلاً أن نعاني هذا النقص الكبير في الأطباء السعوديين، ويُترك أطباؤنا المتدربون لأشهر عديدة دون الحصول على رواتبهم؟ ما ذنب الطبيب تأخر راتبه بحجج بيروقراطية تتمثّل في تصنيف راتبه كمكافأة والاحتجاج بنقص بند المكافآت؟ هل يعجز معالي وزير الصحة عن حل هذه المعضلة بالتسيق مع الجهات ذات العلاقة؟ لماذا نصنفها كمكافأة ونحرمهم الاستفادة من التسجيل في أنظمة التقاعد لمدة تزيد على أربع سنوات من أعمارهم؟ هل السبب في ذلك هو عدم تفريق وزارة الصحة بين التلميذ وبين المتدرب في الدراسات العليا الطبية؟ ألا تعلم وزارة الصحة بأنه، وكما يحدث في بلاد العالم المختلفة، يمارس طبيب الزمالة أو التخصص مهامه المهنية ويحصل على رخصته الطبية وبأنه ليس مجرد طالب في قاعات الدرس أو البحث العلمي؟
وزارة الصحة تدّعي اهتمامها بالأطباء ويفترض أن تكون الموظف الأكبر لهم، لكن الواقع يقول إن عدد المبتعثين من جامعة الملك سعود أو جامعة الملك عبد العزيز أو الحرس الوطني يتجاوز مبتعثي وزارة الصحة، فكيف أقتنع بأن الوزارة التي تقدم 60% من الخدمات الصحية في المملكة وتتفوق عليها كلية واحدة في عدد المبتعثين مهتمة بالعنصر البشري الطبي؟
هل لدى وزارة الصحة خارطة وطنية للقوى العاملة بحيث تكون عادلة في توزيع القوى العاملة على المناطق والمؤسسات الصحية المختلفة التابعة لها؟ هل لديها آلية لقياس الإنتاج الوظيفي للطبيب ولغير الطبيب؟
لقد اجتمع معالي الوزير مع مسؤولي هيئة التخصصات الصحية ومع عمداء كليات الطب ومع مسؤولي وزارة التعليم والجامعات ومندوبي الشركات، لكنه لم يجتمع مرة واحدة مع أطباء وزارة الصحة في مختلف المناطق ومع الصيادلة ومع التمريض وبقية التخصصات. فمتى يحصل مثل ذلك؟ متى يستمع إلى مشاكلهم ومقترحاتهم وهمومهم؟ متى تتغير نظرة المسؤول من كونه صاحب سلطة يصدر تعليمات إلى قيادي يُقدّر العاملين في الميدان ويطلع على همومهم ويستمع لمقترحاتهم؟
أخشى أن لا أكون مبالغاً حين أقترح تقليص مخرجات كليات الطب، طالما الموظف الأول - وزارة الصحة - غير قادر على استقطابهم وعلى تحمُّل نفقات تدريبهم. ما الفائدة التي سنجنيها من تخريج مئات الأطباء الذين لا مستقبل لهم في التدريب والتخصص؟
أحاول تجنب الحدة في الكتابة وأحرص على الموضوعية، لكن ليعذرني معالي الوزير، القوى العاملة هي أساس أي نجاح، وإذا لم تتعامل وزارة الصحة مع هذا الملف بشكل أفضل مما هو حاصل فإنها لن تتطور، وإذا لم تشارك في إعداد القوى العاملة، فعليها أن لا تتوقع حدوث ذلك من القطاع الخاص، سواء الحالي أو المفترض بعد فكرة تخصيص المستشفيات.