يوسف المحيميد
لاشك أن المرء يشعر بالغموض أحيانًا من أمر ما، وحين يقترب من هذا الأمر ويتفحصه، ويظن أنه فهمه، يكتشف أنه ازداد غموضًا، وربما تناقضًا، هكذا شعرت بعد زيارة مجلس الشورى، بدعوة كريمة من المجلس، وبلقاء لا تنقصه الصراحة والشفافية والبساطة والتواضع من قبل معالي الرئيس أولا، ثم حلقة نقاش مفتوحة وصادقة وحميمة مع معالي مساعد الرئيس، وعدد من الأعضاء رؤساء اللجان بالمجلس.
صحيح أن المجلس حقق الكثير منذ عودته من جديد، وانطلاقته الطموحة في عهد الملك فهد يرحمه الله، وأصبح معترفا به من قبل برلمانات عالمية لها مكانتها، إلا أنه يبقى ليس برلمانا، ولا مجلسا للشعب، هو مجلس للشورى فحسب، يقدم المشورة لولي الأمر، في المسائل التي تحيلها إليه رئاسة مجلس الوزراء، بمعنى أن معظم موضوعاته المطروحة للنقاش والتصويت هي قضايا يقترحها مجلس الوزراء، ومهما اتفقنا على أن الحكومة بمختلف الوزراء، يعملون لأجل المواطن، إلا أننا قد نختلف بأن نبض المواطن البسيط لن تلتقطه رادارات الوزراء دائماً، فهذا النبض والهموم والأوجاع لم تجد مجلسا يمثلها كمجالس التواصل الاجتماعي، مثل تويتر وفيسبوك وسنابشات ورفاقهم، لكن هذه المجالس هي للفضفضة، بينما المواطن البسيط يحلم بمن يصادق على مشكلاته، ويسعى إلى حلها، وهو الأمر المنتظر من مجلس الشورى.
ومن الطبيعي أن تطور المجلس على مدى دورات، منح العضو الحق في طرح قضية للتصويت، بدلا من عشرة أعضاء في السابق، لكنه ربط ذلك بموافقة اللجنة المختصة بالمجلس، وهو أمر يُدخل العضو في بيروقراطية مملة، قد تؤخر طرح القضية إلى عدة أشهر مما يجعلها أمرًا منتهي الصلاحية، لم تعد ثمة جدوى من طرحها، وفي المقابل ليس من الطبيعي أن كل عضو يلتقط موضوعاً عابراً من الشارع، فيجبر نحو 150 عضوا على الإنصات والمناقشة والتصويت، ويضيع وقت الجلسات على موضوع لا قيمة له، لذا، لا بد من آلية فاعلة ومرنة، تمنح جزءا من وقت المجلس لصوت الناس، كفتح بوابة إلكترونية مفتوحة لهم، يضعون فيها همومهم ومشكلاتهم، حتى يتم حصر المشكلات بواسطة لجنة مختصة ونشطة، تمنح المواطن الفرصة لتشريح همومه تحت قبة الشورى ومناقشتها، والتصويت عليها، بل حتى لو تطلب الأمر اختيار مجلس شورى مصغر، أو مجلس ابتدائي، يتمثل دوره في الإنصات لنبض الشارع، ودراسته جيدًا، واعتماد القضايا المهمة لطرحها على جلسات المجلس العادية، أيام الثلاثاء من كل أسبوع.
لذلك مهما حاول الشوريون إثبات أن هذا المجلس هو مجلس شورى فقط، يدرس ما يحيله مجلس الوزراء إليه، لن يقتنع الناس أبدًا، فهم يشعرون أنه مجلسهم وصوتهم الخاص، خاصة بعد نجاح دوره في الجانب الرقابي، ومساءلة بعض الوزارات والجهات بعد استعراض تقارير الأداء التي ترفعها، والدليل على ذلك أن هؤلاء المواطنين ينتظرون أن يمتلكوا يوما قرارا في انتخاب من يمثل صوتهم في المجلس.