عبد الاله بن سعود السعدون
تشهد العاصمة بغداد تناقضات سياسية ظاهرة، فالشعب يملأ شوارعها وساحاتها غاضباً بعد أن نفد صبره من الحكومات التي توالت على حكمه منذ ثلاثة عشر عاماً سوداء لم تنفذ وعداً واحداً للشعب الصابر، بل سرقت المال العام ووضعت العراق بالمرتبة الأولى في مصاف الدول الفاسدة الفاشلة، فالحريات مصادرة واستحواذ الكتل المذهبية الطائفية على مناصب الدولة بأجمعها، وخلقت مجموعة جاهلة مرتشية لتكوين الدولة العميقة باسم الديمقراطية التي ولدت كسيحة بدون أرجل تتكئ عليها وكل مظاهرها انتخابات مزيفة تزور صناديقها لصالح الكتل المتنفذة عن طريق آلياتها المليشيات المسلحة!
الشعب الذي انتظر الإصلاح طيلة هذه الفترة الطويلة فلم يجن غير السراب ودوام الخراب والتمادي بتهميشه والتنكيل بالمعترضين على الفساد والتسلط وسيطرة النفوذ الأجنبي في قراره السياسي أمريكياً كان أم أيرانياً مع تراقص القوى الاستخباراتية الأجنبية على حبال ما يسمى بعمليته السياسية المتهالكة...
وشعرت القوى والكتل الحزبية المتنفذة بخطر التظاهرات نحو سلطتها التي أصبحت تهددهم بضغوطها على الحكومة والبرلمان وتفتق تفكيرهم السياسي لطريقة جديدة قد توهم المتظاهرين بمساندة مجموعة من النواب للاعتصام داخل البرلمان مطالبين بعزل الرئاسات الثلاث كمرحلة أولى للإصلاح والتغيير تمشياً مع نداء الجماهير المتظاهرة والمعتصمة أمام بوابات المنطقة الخضراء وبدؤا برئيس البرلمان سليم الجبوري ليكون كبش الفداء بالتخلص منه والوعد بإقصاء رئيس الوزراء ورئيس الجمهورية. الكثير من المحللين السياسيين والإعلاميين يشككون في هدف هذا الاعتصام الذي يقوده جميع نواب دولة القانون ورئيسها نوري المالكي رأس المطلوبين من قبل المتظاهرين لتقديمه للمحاكمة متهماً بتبديد ميزانيات الدولة لفترة ثماني سنين فترة حكمه والفساد والتهميش والإقصاء والتحريض على الطائفية والمتسبب في ضياع الموصل ودخول عصابة داعش الإرهابية للاستيلاء على المحافظة بأكملها وحرمان الشعب من أبسط الخدمات الأساسية كالكهرباء والماء والمؤسسات الصحية والإسكان واتسام عهده بالفوضى الأمنية والانتقام الطائفي وسوء الإدارة..فكيف يعتصم أعضاء كتلته مطالبين بالإصلاح والتغيير.. كالذي يوهم العراقيين بأنه ينقلب على نفسه لخداع المتظاهرين بركوب موجة الإصلاح والوطنية بعد أن رفض الشعب والمرجعية الدينية وكل القوى الوطنية تمسكه بالسلطة ومحاولاته العديدة للعودة الي كرسي رئاسة الوزراء.
ويؤكد العديد من المحللين السياسيين بأن هذا الاعتصام ما هو إلا لعبة سياسية للالتفاف على التظاهرات الشعبية وركب الموجة بإعلان اعتصامهم التمثيلي هذا الذي شل الحياة السياسية في العراق وخلق أزمات دستورية عدة في الوقت الذي وجه انتباه جماهير الشعب الغاضبة نحو مراحل هذا الاعتصام وتطوراته السلبية بعد أن انقسم البرلمان الى برلمانين معتصم ورافض للاعتصام .....وتحاول الكتل السياسية لإعادة نظام المحاصصة بتقسيم الكعكة الوزارية فيمابينهم حسب حصصهم في مجلس النواب.خلافاً لمطالب الشعب الغاضب الذي يسعى لإلغاء المحاصصة الحزبية والدعوة لوزارة خلاص تكنوقراط من المستقلين المشهود لهم بالنزاهة والسمعة الطيبة والوطنية بعيدين عن الولاء لجهات أجنبية ومن غير المنتمين للأحزاب المذهبية الطائفية التي سبق أن اشتركت بالوزارات السابقة وفي آخر المطاف تعالت أصوات سياسية عالية داعية للانتخابات المبكرة كحل للأزمة.
وهناك تيار ديني ووطني مؤيد للشعب المتظاهر يدعو للوقوف بوجه التمدد الإيراني وتطالب بإخراج إيران من اللعبة السياسية في العراق ويتزعم هذا التيار المرجع الديني العربي الصرخي الحسني وأتباعه الذي قدم مذكرة إصلاح لإنقاذ شعب العراق من الهيمنة الإيرانية وإيقاف تدخلاتها المباشرة وغير المباشرة وإلا فإن العراق ينحدر الى الهوية في صراعات طائفية دموية وبتحريض إيراني..
المشهد العراقي ملتهب ومعرض للانفجار الأمني والسياسي إذا بقي التصارع السياسي بين الكتل والأحزاب السياسية المهيمنة على السلطة وبقي الاعتصام الشعبي المحاصر للمنطقة الخضراء دون تلبية لمطالبه في الإصلاح والتغيير والابتعاد عن إجراءت التخدير والمماطلة والالتفاف على مطالب المتظاهرين المشروعة في الحياة الحرة الكريمة دون طائفية وفساد والتأكيد على المواطنة المظلة التي تحقق وحدة الشعب العراقي واستقلال قراره السياسي... ولايتحقق الاستقرار الأمني والعودة الى الوضع الطبيعي إلا بزوال العملية السياسية المرتكزة على ما يسمى بالديمقراطية العرجاء المعتمدة على المحاصصة الطائفية والحزبية و المنبوذة من المجتمع العراقي وأن يكون المشروع الوطني المستقل بديلاً لهذه الفوضى السياسية والتحزب الطائفي بظهور الرمز الوطني الذي يلتف حوله الشعب من أجل بلوغ شاطئ الأمان والاستقرار والعودة لبيته العربي الذي قلبه قبل ذراعيه ممدودة للترحيب به وتضميد جراحه.