عبد الاله بن سعود السعدون
تعيش بغداد على صفيح ساخن، ولا يعلم أحد ما يمكن أن تؤل إليه الأوضاع المتأزمة أمام أبواب المنطقة الخضراء... المعتصمون نصبوا خيامهم قبالة صفوف القوات الأمنية، وعربات الجيش العراقي النظامية ترفع العلم العراقي وتحيي المعتصمين تماماً كموقف القوات المسلحة المصرية أبان ثورة الشعب المصري واعتصامه في ساحة التحرير.. وأخذ يتوافد على مخيمات المعتصمين أفواج من المتظاهرين والمكونة من كل القوى المعارضة لحكومة التحالف الوطني برئاسة الدكتور حيدر العبادي. ويقود هذه القوى المعتصمة التيار الصدري بقيادة السيد مقتدى الصدر، وهناك مجموعات مختلطة من التيار اليساري والقومي والوطني المستقل..
سكنة المنطقة الخضراء تشعر بنار الرفض الشعبي قد اقتربت منهم وحان وقت الحساب والمساءلة عن الفساد الإداري والمالي واللعب بالفتنة الطائفية لتفكيك لحمة الشعب العراقي حتى تحول إلى جبهات وفرق متعادية يحاول هذا المكون من إنهاء الآخر وتهميشه وإبعاده عن السلطة ومحاربته ديموغرافياً بتهجيره عن مناطقه وإحلال آخرين من المكون ذي الأكثرية العددية والمذهبية، كما حدث وبشكل دموي في مجازر منطقة ديالى المحادة لإيران.
التظاهرات المستمرة منذ أشهر والاعتصام الشعبي هذه الأيام ولَّدت تصدعاً عميقاً في جدران التحالف الوطني الشيعي بتزعم زعيم التيار الصدر مقتدى الصدر عن أجماع هذا التحالف الطارئ، والذي يبرز فيه نفوذ حزب الدعوة وتياره الحكومي سلطة القانون برئاسة رئيس الوزراء السابق المالكي، والذي أصبحت محاكمته مطلباً أساسياً للجماهير المتظاهرة والمعتصمة قبالة المنطقة الخضراء، والتي أصبح صوت نداءاتها وشعاراتها تصل مباشرة لآذان المالكي وأفراد حزبه وأعضاء مجلس النواب الممثلين عن حزبه مما أثار الخوف من المستقبل المجهول إلى إصدارهم بياناً يحذرون المعتصمين من الخروج عن سلمية الاعتصام حفاظاً على سلامة سكان المنطقة الخضراء من مراكز رئاسة الحكم الثلاث والممثليات الدبلوماسية الأجنبية وإنهاء العملية السياسية... تراكم الفساد وسلب حقوق الشعب العراقي الصابر من مجموعة سياسية نهجها الأيدولوجي تتجه بوصلته نحو الطائفية اعتماداً على تقاسم المناصب السيادية بطريقة المحاصصة الحزبية بحسب الحصص الناتجة عن التمثيل النيابي بشكل بدائي يتركز على الكتل السياسية والأشخاص المتنفذين بالدعم الأيراني ذي النفوذ المتشعب في كل أبواب السلطة الحالية. الاعتصامات جعلت التيار الصدري المتمرد عن البيت الشيعي السياسي والذي تهمس بعض المصادر المراقبة للشأن العراقي أن مقتدى الصدر قد رفض الوساطة الإيرانية بتركه المطالبة بالاعتصام والعودة إلى الإجماع الشيعي المتمثل بالتحالف الوطني. كما رافق هذا الاهتزاز في سلطة الدكتور العبادي في إصدار قرارات متناقضة في تغيير المراكز القيادية في المنظومة المشرفة على أمن بغداد نتيجةً لسماح قائد عمليات بغداد الفريق عبدالأمير الأسدي للمتظاهرين بعبور جسر الجمهورية المؤدي إلى المنطقة الخضراء مركز السلطات الثلاث في بغداد وتركهم أيضاً ينصبون خيام الاعتصام أمام بوابات قلعة الحكم الطائفي في بغداد. ومن ثم إعادته لمنصبه وتخويله لسلطات إضافية.
كل الكتل السياسية المشتركة في العملية السياسية تخشى من التصادم الشيعي الشيعي بين أنصار الصدريين وجناحهم العسكري سرايا السلام مع أنصار حزب الدعوة الإسلامية الحاكم وجناحه العسكري الحشد الشعبي، وهذا الأخير أيضاً بدا على قادته العامري والمهندس التراجع بتصريحاتهم عن مواجهة المعتصمين وتوجيه اللوم للسيد المالكي ومجموعة سلطة القانون بالتعجل بإصدار بيانهم التحذيري لكل المتظاهرين والمعتصمين ومحاولتهم للتوسط بين الصدر والمالكي والعودة إلى البيت الشيعي الموحد.
كل هذا الحراك السياسي والشعبي المتسارع في شوارع بغداد يتجه نحو السيطرة على العاصمة سياسياً وجغرافياً استعداداً للتقسيم القادم على أساس الثلاث أقاليم عربي شيعي وكردي وعربي سني، هذه النوايا يظهرها تجار السياسة المتصارعة، أما صوت الشعب العراقي فهدفه التغيير الكامل والخلاص من كل الكتل والأحزاب الطائفية بأجمعها وتسليم الحكم لحكومة تنكنوقراط مستقل سياسياً، لا كما يسعى رئيس الوزراء الحالي المنادي بالتغيير نحو تكنوقراط حزبي والعودة مرة أخرى لنظام المحاصصة الذي أدى الى الفساد والفوضى الأمني ونهب المال العام...
الأيام القليلة القادمة حبلى بشهرها التاسع وقد تلد مفاجئات لم يتوقعها كل مراقب سياسي مهتم بالشأن العراقي المتقلب الأجواء، وأقرب هذه المفاجئات استقالة الوزارة الحالية وتكليف شخصية شيعية جديدة تتصف بالنزاهة والأمانة والاستقلالية الحزبية تلبية لمطالب المعتصمين حول أسوار منطقة الحكم والتي قد تتحول للونها الجديد الأحمر القاني. حفظ الله العراق العربي وشعبه الشقيق الصابر.