د. محمد البشر
لطالما درسنا فيما سبق أن تنويع الدخل ضروريٌ، وأن الاعتماد على النفط لا يمكن أن يدوم، وكانوا يدرسوننا أنه ما بباطن الأرض لا يكفي سوى لعدد معين من السنوات، وبعد ذلك درسنا طلابنا أن التنويع لا بد منه وأن النفط قد يمتد أمده لكثرة الاكتشافات في المملكة، لكننا أضفنا إلى ذلك بدائل أخذت تلوح في الأفق، ولا بد أن تكون قادرة على أخذ نصيب كبير من حصته في الطاقة مما يؤدي إلى انخفاض سعره.
في الواقع أن عوامل أثرت في سعره في الوقت الحاضر، وهي زيادة الإنتاج، ووجود بدائل، واكتشاف مصدره من جنسه وهو النفط الصخري، وقد أدى ذلك إلى ما رأيناه من ارتفاع في المخزون العالمي، وانخفاض في الأسعار، وما قد يغفل عنه البعض هو أن الأسعار الحقيقة للنفط حتى وإن وصلت إلى أكثر من مائه وخمسين دولار فهي أقل من السعر مقارنة بسعرها قبل عشرين عاماً طبقاً للتضخم العالمي لسائر البضائع والسلع والخدمات.
لم يتم اتخاذ خطوات لعدم الاعتماد عليه منذ اكتشافه، وذلك لأسباب عديدة، وظل كذلك وأصبح الكثير من الدول النفطية أسير هذا المنتج السحري العجيب المفيد إذا أحسن استخدامه، وكان من حسن الطالع أنه قد وجد في أكثر من مكان فهو في آسيا وإفريقيا وأمريكا الجنوبية والشمالية وروسيا، وغيرها من القارات. فمن خلد إليه تاه في حبه هياماً واعتمد عليه، ومن تجاوزه إلى سواه وآثر التعدد على الاكتفاء بواحدة فقد نال السعادة، فالتنوع والتعدد لذيذ ومفيد، وقد فات الركب أولئك الباقين على واحدة، وكسب السعادة والرهان من عدد.
مفهوم جديد ورؤية جديدة أصدرها صاحب السمو الملكي ولي ولي العهد، ولا يمكن لمقال واحد أن يلقي الضوء على كنهها ومفهومها، والأمل من تبنيها، فهي متعددة الجوانب الاقتصادية والعسكرية والاجتماعية والسياسية وخلاصتها أنها استثمار أمثل كما هو متاح في المملكة، والمملكة بحمد الله لديها الكثير من المتاح من الثروات النفطية والمعدنية، والطاقة الشمسية والرياح، وهي الأفضل موقعاً، والأثمن لدى أفئدة المسلمين والأفضل في علاقاتها مع الدول، والأجدر بأن تكون قادرة على قيادة عالمها العربي والإسلامي، بل تتخطاه إلى أن تكون دوله من دول العالم المؤثرة.
عندما يتم بيع جزء من أرامكو وهي أكبر شركة في العالم فإن ذلك يعني استثمار قيمتها في الأسواق العالمية وتنويع الدخل، في الوقت الذي سيقوم المستثمر فيها شمولها على محفظته التي ربما لم يكن بداخلها شركة كبيرة مثل هذه الشركة القادرة على ضمان دخل معين لمدة طويلة من الزمن، والتي من المحتمل أن تزيد أسعارها بشكل لافت عندما تتحسن أسعار البضائع والمواد الخام في الأسواق العالمية ومن ضمنها سعر النفط.
العالم لا بد له من أن ينمو، والأسواق العالمية تزيد دخولها وأسعارها وما تصرفه من أرباح، وإذا كانت تلك الزيادة أكثر من زيادة التضخم فإن الربح الحقيقي سيكون بمقدار الفرق بينهما، بينما سعر النفط أسير التقلبات السعرية والعرض والطلب من سلعة واحدة فقط.
ليس النفط للطاقة فقط، وإنما هو لعدد كبير من الصناعات البترولية لكن تلك المساهمة تظل قليلة مقارنة بمساهمة النفط في الطاقة، ولربما يوجد لنا العلم والعلماء منتجاً جديداً لا نعرفه يستهلك الكثير من إنتاج النفط العالمي، ويعود دور النفط مؤثراً كما هو مؤثر هذا اليوم كمصدر للطاقة، لكن العيش مدة طويلة على ذلك الأمل، يعني الانتظار والنظر إلى منظر ربما يكون ماء أو سراباً، وسيموت المرء من العطش وهو في انتظار ذلك الأمل في الجديد من العلم الذي سيعتمد على النفط بدل استخدامه في الطاقة فقط.
ما يجعل المرء متفائلاً أن سمو الأمير محمد بن سلمان، إذا تبين لديه أمر بعد دراسة جديد فهو لا يتردد أن يفعله بعد دراسة وقناعة، ودراسته للأمر لا تستمر إلى ما لا نهاية، وتنفيذه يكون جاداً وفاعلاً، وهذا ما نشأ عليه منذ زمن، ولهذا فإن ما ورد في الرؤية سيتم تنفيذه حقاً ومقدار النجاح هو بمقدار كفاءة استخدام الأدوات المتاحة، وهو القادر إن شاء الله على توفير تلك الأدوات.