د. محمد البشر
المسلمون يشكِّلون اليوم نحو ملياري نسمة، والمملكة العربية السعودية كانت وما زالت وستظل حريصة على جمع كلمة المسلمين، والسعي لمزيد من التعاون فيما بين الدول الإسلامية الجديرة بأن تكون أكثر فاعلية وعطاءً.
ومنظمة التعاون الإسلامي عقدت قمتها الثالثة عشرة في العاصمة التركية، وكان الشخصية الأبرز في القادة المشاركين هو خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز لأسباب عدة، أولها أنه سلمان ذلك القائد صاحب التاريخ المجيد في مجالات شتى، فله باع طويل في السياسة والإدارة والتعامل مع الدول والأمم والبشر، وهو الذي عشق التاريخ، فتعلم منه، وحفظ للتاريخ كثيراً من الأحداث التي لو لم يذكره لاندثرت، كما اندثر غيرها، وهو الذي يمثل المملكة العربية السعودية التي قامت على أساس رفع راية (لا إله إلا الله محمداً رسول الله)، وكان نهجاً لها، وظل كذلك، وهو الذي يردد دائماً في مجالسه الرسمية والخاصه منذ زمن بعيد، أن هذه الدولة قد قامت لرفع راية الإسلام، ونشره في ربوع المعمورة، ومحاولة نزع ما غشاه من بدع، وتصرفات فردية وجماعية بعيدة كل البعد عن السبيل الصحيح الذي جاء به نبي الهدى محمد بن عبدالله عليه أفضل الصلاة والسلام، والمملكة بها الحرمان الشريفان، وظلت خادمة لهما دافعة الغالي والنفيس في سبيل تسهيل ريادتهما من حجاج ومعتمرين، والمملكة هي التي سعت وما زالت تسعى على تقارب الأمة الإسلامية والتوفيق بين دولها.
الإسلام دين محبة، ودين سلام ودين عطف ووئام، والبون شاسع في هذا الزمان بين ما سطع به نور الحق وبين ما يفعله بعض من المسلمين، في معاملاتهم وتعاملاتهم مع بعضهم، ومع الآخرين.
الإسلام يحث على العمل الدؤوب والجد والاجتهاد، واللطف في التواصل مع الآخرين، يقول رسول الهدى صلى الله عليه وسلم «إنما جئت لأتمم مكارم الأخلاق»، وهو يأمر بالصدق، والأخلاص، وتغليب المصلحة العامة، ويحث على التسامح، والتغاضي، وبشاشة الوجه وحسن المنطق، وإكرام الضيف، والعطف على الضعيف، ونصرة المظلوم، ومساعدة الملهوف، وغير ذلك كثير.لا يمكن لعاقل يزن بميزان الحق إلاّ أن ينأى بنفسه عن الربط بين ما يفعله بعض المسلمين، وبين ما يأمر به الإسلام، أو ما يفعله بعض مدعين للإسلام، والإسلام منهم براء، ولا أخال من يدندن خلف ذلك الربط إلاّ جاهلاً بحقيقة الإسلام، أو مغرضاً أراد توظيف من يدعي الإسلام للنيل من ذلك الدين الطاهر النقي.اليوم بعض الدول الإسلامية تعيش على هامش الحضارة العالمية، في مجال التقدم التقني والاقتصادي والاجتماعي والصحي، وهذه حقيقة لا يمكن إغفالها، بل إن إظهارها هو ما يجعل الحقيقة جلية أمام القادة في هذا المؤتمر وغيره من المؤتمرات.
عند تشخيص الداء يسهل تلمس السبل للوصول إلى الدواء، وآن الأوان للدول الإسلامية أن تثب من سباتها، وتركب طريق الحضارة للوصول إلى مصاف الدول المتقدمة وهي القادرة - بإذن الله - على ذلك، فلديها من مقومات النجاح الكثير، سواء من حيث المواد الخام، أو الموارد البشرية أو المواقع الإستراتيجية، لا أحد يمكنه أن يخلد إلى اليأس طمعاً في الراحة، والدروب لديه مفتوحة، والمناهج أمامه مشروحة.
عندما اجتمع القادة، فإن أمل الأمة سينصب في بوتقتهم، وسيأملون الكثير من درايتهم وإدارتهم، والقلوب معلقة بهم ومعهم، وهم الأقدر على صنع القرار، والسير بالمركب إلى الخير والاستقرار.
هذه القمة لها نكهة خاصة لأن خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز حضرها، وهو رجل الحزم والرؤية الجديدة، وهو الذي حرص على جمع الأمة الإسلامية لمحاربة الإرهاب بشتى صورة وأشكاله، وهو الذي أخذ في التأليف بين قلوب القادة والشعوب، وعمل على نبذ التطرف، والخروج عن الإسلام، وحذر من أولئك الذين يقومون بأفعال ليس لها علاقة بالإسلام وينسبونها إليه، وهو من أخذ في حشد الأمم غير المسلمة للوقوف صفاً واحداً مع الأمة الإسلامية لمحاربة أولئك الضالين المضلين، ولقد أثبت أنه القادر - بعون الله - على استثمار مكانة المملكة العالمية في نصرة الإسلام، وتصحيح المفاهيم الخاطئة إتجاهه، وفقه الله ورعاه وسدد خطاه.