فضل بن سعد البوعينين
لم تُقدم المملكة على تنفيذ أي من مشروعاتها التنموية الضخمة إلا وتكالب عليها الجميع بالتشكيك. ولو عُدنا بالذاكرة لبدايات إنشاء مدينتي الجبيل وينبع الصناعيتين؛ وشركة سابك؛ لاكتشفنا حجم التشكيك وعمليات الإحباط التي ووجه بها مجموعة من الشباب السعوديين المتحمسين لخلق قطاع صناعة البتروكيماويات من خلال بذرة «سابك» المباركة. انحازت الحكومة لشبابها المخلصين؛ وصمت آذانها عن خبراء الغرب وإعلامه المتجني؛ ومضت في طريق التنمية التي بدأت وكأنها حلم بعيد المنال؛ حتى تحقق بفضل الله وتوفيقه.
«دائما ما تبدأ قصص النجاح برؤية؛ وأنجح الرؤى هي تلك التي تبنى على مكامن القوة»؛ شعار أطلقه فريق العمل المسؤول عن رؤية المملكة 2030 التي تضمنت الكثير من الأهداف الطموحة القادرة على إحداث التغيير الأمثل للإقتصاد السعودي. أهداف متنوعة؛ وتغيير شامل تعد الحكومة مواطنيها بتنفيذه خلال 15 عاما. بالرغم من أهمية «الرؤية الوطنية» لوضع خارطة طريق تنموية لما تريد المملكة أن تكون عليه خلال العقد القادم؛ تحفظ البعض على إمكانية تحقيق أهدافها والإلتزام بها؛ مستشهدين ببرامج سابقة لم تنجح الحكومة في تحقيقها؛ وتحفض البعض الآخر على التفريط بأهم الأصول الوطنية؛ وهي «أرامكو السعودية». الأكيد أن جميع الأراء المنطقية والنزيهة تحترم؛ ولعل بعضها يكون من أداوت تحسين البرامج المزمع تنفيذها لتصب في مصلحة الوطن والمواطنين.
سمو ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان تصدر للإعلام المحلي والغربي وأجاب بشفافية مطلقة عن استفسارات المختصين؛ والإعلاميين وتحاور بشكل أكبر مع الأطراف المتحفظة قبل المؤيدة لضمان إيصال المعلومات الشفافة حيال مشروع «الرؤية»؛ وفتح باب النقاش دون تحفظ؛ واعتذر لمن لم يتمكن من المشاركة برأيه في الرؤية الوطنية وترك الباب مفتوحا لمن يريد التواصل أو التعليق أو إبداء الرأي حيالها؛ فمن أهم أدوات النجاح الإيمان بها أولا؛ ثم التكاتف لإنجازها.
قد تكون الرؤية (حالمة) كما وصفها البعض؛ إلا أنها قابلة للتطبيق متى كانت الإرادة الحكومية حاضرة؛ وأحسب أن موافقة خادم الحرمين الشريفين عليها؛ ومباركة وتأييد سمو ولي العهد؛ الأمير محمد بن نايف لها؛ وتعهد الوزراء بدعمها وتنفيذ برامجها؛ وتفاؤل المواطنين بها ضمانة لإنجازها بإذن الله.
أعود للإعلام الغربي ودوره في التشكيك بالمشروعات التنموية المهمة. ولعلي أركز على «بلومبيرج» التي سيطرت خلال الشهرين الماضيين على أخبار المملكة المهمة؛ ما أعطاها أسبقية متميزة أثارت حفيظة وكالات الأنباء ومحطات التلفزة العالمية. مارست «بلومبيرج» إسقاطاتها بطريقة غير مهنية بالرغم من حصولها على كم وافر من المعلومات القادرة على صناعة الرأي المحايد والنزيه. لم تكن BBC عربية بعيدة عنها من خلال برامجها التي خُصصت بشكل منظم للتأثير السلبي على إطلاق رؤية المملكة.
أجزم أنهم ليسوا حريصين على مستقبل المملكة ولا على مصلحة مواطنيها بقدر حرصهم على إثارة الرأي العام والتشكيك في كل مشروع تنموي تقدمي يمكن أن يسهم في إضعاف الهيمنة الغربية وسلطتها في المنطقة.
العام 2006 أطلق الرئيس الأمريكي جورج بوش الإبن تصريحاته التي أبدى فيها رغبته في التخلص من الإدمان الأمريكي لنفط الشرق الأوسط، وأنه سيجعل الاعتماد على نفط الشرق الأوسط شيئا من الماضي. كتبت حينها أن « تلك التصريحات يمكن اعتبارها تهديدا مباشرا لأمننا الاقتصادي الذي يعتمد في موارده المالية على تصدير النفط الخام». اليوم خفضت الولايات المتحدة حجم إعتمادها على النفط السعودي بشكل كبير؛ وأصبحت أكثر قدرة على تلبية طلبها محليا وتصدير جزء من نفطها إلى الخارج. قطعا لن تتوقف المخاطر عند ذلك؛ بل أصبحت بدائل النفط في مقدمها.
«إدمان النفط» مصطلح ذكره الأمير محمد بن سلمان لتوصيف علاقة المملكة بالموارد النفطية التي يعتقد أنها سببا في تعطيل تنمية قطاعات كثيرة. فالموارد المالية السهلة أبعدت الحكومة عن التفكير الجدي في تحقيق هدف تنويع مصادر الدخل.
تنويع مصادر الإقتصاد والدخل اصبح ضرورة ملحة ينبغي التعجيل في تنفيذها لضمان مستقبل الأجيال؛ وتحقيق الاستقرار المالي؛ وإحداث تنمية نوعية قادرة على نقل المملكة لمصاف الدول المتقدمة؛ وأحسب أن «رؤية المملكة 2030 « هي الخيار الإستراتيجي الأمثل لتحقيقها.
ومهما كانت الرؤى حالمة؛ فتحقيقها ليس بالمستحيل؛ متى توافرت الإرادة والبرامج المحكمة والأجهزة التنفيذية القادرة على تحويل الحلم إلى واقع معاش.