فضل بن سعد البوعينين
يعمل القطاع الخاص وفق «مؤشرات قياس» لضبط العمل، وتقييم الأداء، وتحفيز الإنتاجية، ومحاسبة المقصرين من أجل تحقيق الأهداف الربحية، والنمو. مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية بدأ في تطبيق مؤشر قياس للقطاع الحكومي، يهدف إلى تحسين الأداء، وتعزيز الإنتاجية، وضمان مخرجات العمل.
بالرغم من أهمية مؤشرات القياس إلا أن تطبيقها على القطاع الحكومي لا يخلو من التحديات التي يمكن التغلب عليها، من خلال نشر ثقافة الانضباط والنزاهة والإنتاجية والعمل الممنهج وفق برامج محددة.
غياب الكفاءة، النزاهة، التقييم والمحاسبة كان سببًا من أسباب تشوه المخرجات التنموية، وهدر النفقات الحكومية، واستمرار الأزمات. تعطيل قانون المحاسبة في القطاع الحكومي ساعد على استدامة الأزمات، بالرغم من تبعاتها المدمرة. أزمة الأمطار والسيول الجارفة من الأزمات التي لم تستطع الوزارات الخدمية معالجتها، وحماية المدن والمواطنين من خطرها.
يمكن للحكومة أن تضم الأمطار والسيول إلى مؤشرات قياس أداء وزارات متعددة، منها الاقتصاد والتخطيط، الشؤون البلدية والقروية والمياه والكهرباء. مؤشر عادل وشفاف، يخلو من تعقيدات نسب الإنتاجية، ويقيس بدقة جودة مخرجات التنمية، وكفاءة الإنفاق الحكومي المرتبط بمشروعات صرف الأمطار والسيول وتخطيط المدن وتنفيذ المشروعات بشكل عام، إضافة إلى قياسه العادل لخطط الإنقاذ والتعامل مع الأزمات، ومعالجة الأخطاء، وإيجاد الحلول الناجعة لها.
استدامة الأزمات، وفي مقدمها أزمة تصريف مياه الأمطار والسيول، تؤكد أن الجهود المبذولة لمعالجتها لا تتوافق مع حجم المشكلة؛ ما يعني وجود التقصير الذي يستوجب المساءلة والحساب. التركيز على «غرق الأنفاق» والشوارع قد يساعد في صناعة الحلول الإدارية والفنية في آن. ما الذي يحول دون تمكننا من إغلاق ملف «الأزمات» التنموية المتضخم، بالرغم من توافر الموازنات الضخمة والمشروعات الطارئة؟ أحسب أن تعامل الجهات الحكومية التقليدي معها، وعدم الاهتمام بوضع حلول دائمة لها، إضافة إلى قصور الجانب الرقابي والمحاسبي، يتسبب في استدامتها، واستمرار المعاناة.
قد تكون الأزمات المفاجئة من أدوات العلاج المتاحة. فالأمطار الغزيرة كشفت بوضوح عن مكامن الخلل الإداري والفني؛ ما يستوجب تدخل الحكومة السريع لمعالجة الأخطاء، وإيجاد الحلول الناجعة والدائمة لها.
أتجاوز الخلل الإداري، وأركز على الخلل الفني الذي يفترض أن يكون من أولويات المراجعة والمعالجة الدائمة. فغرق الأنفاق والطرقات وبعض المدن السعودية ليس وليد اللحظة؛ بل هو أمر دائم، يحدث لمجرد تساقط الأمطار المتوسطة. حالة الغرق العامة يمكن أن تسهم في وضع «أطلس» المواقع المتضررة من السيول والأمطار؛ لتشكل قاعدة بيانات موثوقة لمواقع الخلل، وتجمُّع مياه الأمطار، ومواقع الأزمات الدائمة. التعامل معها وفق رؤية استراتيجية وبرامج عاجلة مصححة للأخطاء السابقة هو ما نحتاج إليه في الوقت الحالي؛ لنجعل من عدم تكرار حدوث مشكلة الغرق في المواقع التي يتم معالجتها من أولويات الحكومة وأجهزتها الخدمية المستوجبة لخطط الإنقاذ العاجلة.
تكرار «الغرق»، مع توافر المتطلبات المالية والفنية، يعني فشل الجهات المسؤولة عن معالجة المشكلة؛ ما يستوجب اتخاذ إجراءات المساءلة والمحاسبة ضد المقصرين في الجوانب الإدارية، الرقابية و التنفيذية.
تُربط مؤشرات الأداء بأهداف محددة؛ لذا يمكن ربط مؤشر أداء وزارة الشؤون البلدية والقروية، الأمانات، البلديات، ووزارة المياه والكهرباء بهدفَيْ القضاء على أزمة الغرق الدائمة، وعدم السماح بتكرر الغرق للمواقع التي تمت معالجتها ضمن برامج المعالجة الدائمة. يمكن للأمطار أن تكون مؤشرًا للأداء، ومرشدًا لمواقع الخلل التي تحتاج إلى تدخل عاجل من الحكومة.
الكفاءة الإدارية، الرقابية والتنفيذية قادرة على إحداث التغيير في قطاعات التنمية، بما يحقق الأهداف، وطموح المواطنين. أعتقد أننا قادرون على تنفيذ جميع المشروعات الحكومية بكفاءة شريطة توافر الفكر الإداري، والقدرة التنفيذية، والأمانة والإخلاص. التخطيط الاستراتيجي يحدد الأهداف بدقة، ويفرض على الوزارات المعنية التنسيق فيما بينها، والعمل كفريق لتحقيق تلك الأهداف بعيدًا عن البيروقراطية، والعمل المنفرد.
نحن في حاجة إلى نقل الفكر الإداري والتنفيذي الذي تتعامل به بعض النماذج المتميزة في الدولة، كالهيئة الملكية للجبيل وينبع وأرامكو السعودية، وتعميمه على الجميع؛ فالهدف هو إحداث التغيير الإيجابي في التعامل مع مشروعات التنمية، بما يحقق الأهداف التنموية الطموحة، والمتوافقة مع ما تنفقه الدولة من أموال مهولة لبناء الوطن وخدمة المواطنين.