فضل بن سعد البوعينين
اعتراف «المجلس الأعلى للقضاء» بأهمية الإسراع في إنجاز القضايا المالية ومديونيات المصارف المتعثرة حماية لـ»سمعة الاقتصاد المحلي» أمر لافت؛ يُخفي خلفه الكثير من علامات الاستفهام حول زمن التقاضي في القضايا التجارية، وحرص الجهات العدلية على إنهائها، وتنفيذ الأحكام في فترة زمنية قصيرة.
نقلت جريدة «عكاظ» عن مصادرها قيام دائرة التنفيذ بالحجز على «أموال وأملاك رجل أعمال كبير في المنطقة الشرقية، تجاوزت ديونه 30 مليار ريال، وفقًا لتوجيهات عليا». وأضافت بأن «المجلس الأعلى للقضاء شكل دائرة قضاء تنفيذ أخرى في المحكمة العامة بالخبر، نظرًا لضخامة المديونية المذكورة، لتفادي المساس بسمعة الاقتصاد المحلي». كان من الأجدى أن يكون الاهتمام منصبًّا على تحقيق العدالة وإنجازها أولاً، وإغلاق القضية التي بقيت في دهاليز القضاء سنوات طويلة متسببة في خسائر فادحة للقطاع المصرفي ولكل من لهم علاقة بالقضية، بمن فيهم المتقاضون أنفسهم. ضخامة حجم بعض القضايا المالية، وتشعبها، يفرضان على القضاء التريث للإحاطة التامة بها، وهو أمر مقبول ولا شك، غير أن آلية تعامل القضاة مع القضايا ومواعيد الجلسات التي يتجاوز بعضها ستة أشهر هو ما يؤثر سلبًا في عمليات الإنجاز.
«تأخير العدالة - ولو تحققت - ظلم»، وهذا ما يحدث في القضايا عامة، والقضايا التجارية على وجه الخصوص. كم من البيوت التجارية تعرضت للانهيار بسبب تجميد الأصول، وتعطيل أنشطتها التجارية الناتجة من تأخر إصدار الأحكام، أو تنفيذها! عدم التمييز بين القضايا وفقًا لحساسيتها وانعكاساتها على المجتمع، الاقتصاد الوطني، وسمعته، وسمعة القضاء السعودي.. تسبب خسائر فادحة للاقتصاد والمتقاضين، وتسبب عرقلة التدفقات الاستثمارية الأجنبية.
قضية الثلاثين مليار ريال ليست كباقي القضايا؛ لأسباب متعددة، منها ضخامة المديونية، وارتباطها بالقطاع المصرفي؛ ما يعني تأثر شريحة كبيرة من المساهمين والمودعين، إضافة إلى ارتباطها بأكبر البيوت التجارية التي بدأت تعاملاتها التجارية الضخمة قبل تأسيس المملكة، وحجم تأثيرها على الاقتصاد الوطني، وما أثارته من تغطيات إعلامية دولية، أثرت سلبًا على سمعة الاقتصاد الوطني، والمؤسسة العدلية.
الاستثناء الذي حصلت عليه قضية «الثلاثين مليارًا» يجب أن يكون القاعدة لجميع القضايا بحكم النظام العدلي، وألا يسمح بطول أمد التقاضي بما يتسبب في الإضرار بالمتخاصمين.
لا أعتقد أن المحكمة في حاجة إلى توجيهات عليا لإنجاز بعض القضايا الحساسة التي لا تحتمل التأخير، كما أنها ليست في حاجة إلى الإذن للعمل خارج الدوام متى استدعى الأمر ذلك. لو التزمت المحاكم بكفاءة العمل، وتقيد بعض القضاة بمواعيد الدوام الرسمي، لما احتاجوا إلى ساعات إضافية لإنجاز قضاياهم المنظورة.
من جهة أخرى، ربما نحن في حاجة إلى تنظيم جديد، يسمح بتفريغ القضاة لنظر القضايا العاجلة، ولو استدعى الأمر أن يطبق نظام تحمل تكاليف القضية من قِبل المتخاصمين، أو من يصدر عليه الحكم. محدودية عدد القضاة لم يعد عذرًا للمؤسسة العدلية؛ فآلية تعيين القضاة ربما كانت سببًا من أسباب الشح الذي تعاني منه المحاكم اليوم.
استقلالية القضاء أعطت بعض القضاة حصانة تجاه الضوابط الإدارية التي يفترض ألا تتعارض مع الاستقلالية الشرعية المرتبطة بنظر القضية وإصدار الأحكام. عندما يتأخر القاضي عن موعد دوامه الرسمي فذاك أمر مرتبط بالإدارة لا القضاء. الأمر عينه ينطبق على القضاة الذين يتغيبون عن مواعيدهم المدرجة سلفًا؛ ما يتسبب في إطالة أمد القضية.
نحن في أمسّ الحاجة إلى مراجعة مؤشر الإنجاز في المحاكم الشرعية، وبما يساعد على معالجة مشكلات التقاضي الأزلية التي باتت تؤثر في الاقتصاد الوطني، وتحد من تدفق الاستثمارات الأجنبية، وتتسبب في انهيار بيوت تجارية عريقة.