محمد بن فهد العمران
في الثلاثة أعوام الأخيرة فقط، شهد الاقتصاد الإيراني تغيرات كبيرة وسريعة أشبه ما تكون بالزلزال الاقتصادي الذي قلب الأمور رأساً على عقب لدولة كان رئيسها يتغنى بقوة اقتصادها وتنوعه، وبأن النفط لم تعد إيراداته تشكل إلا أقل من 33% من إجمالي الإيرادات الحكومية، وبأنه يسعى مستقبلاً لتخفيض هذه النسبة لأقل من 30%، ويبدو لي أننا في المستقبل القريب سنشاهد حلقات جديدة وممتعة من المسلسل الفكاهي والذي يتم فيه تقديم أرقام اقتصادية غريبة إلى الشعب الإيراني وذلك لإقناعه بأن حكومته لم تتأثر بانخفاض أسعار النفط.
وحتى نفهم صياغة وإخراج هذا المسلسل الفكاهي، يجب معرفة أن الريال الإيراني قد خسر نحو 60% من قيمته أمام الدولار الأمريكي خلال الثلاثة أعوام الأخيرة حيث قامت الحكومة الإيرانية أولاً بتخفيض سعر الصرف الرسمي لعملتها نهاية عام 2013م من 12,200 ريال لكل دولار إلى مستواه الحالي عند 30,200 ريال لكل دولار، ثم قامت بعد ذلك بالإعلان وخلال ثلاثة أعوام متتالية عن موازنات مالية بالعملة المحلية (وأرجو التركيز على أنها بالعملة المحلية) بأرقام تصاعدية ودون أي عجوزات، بينما لو تم الإعلان عن نفس هذه الأرقام بأي عملة أجنبية رئيسية (كالدولار الأمريكي مثلاً) لشاهد المواطن الإيراني صورة أخرى مختلفة كلياً عن ما يتم إعلانه في وسائل الإعلام المحلية !!!
المضحك أن الحكومية الإيرانية تحاول إقناع الشارع الإيراني بعدم تأثر موازنتها المالية بهبوط أسعار النفط العالمية، بينما قامت مؤخراً برفع الضرائب من 661 تريليون ريال إيراني في موازنة عام 2015م إلى 1,011 تريليون ريال إيراني لموازنة العام الحالي والتي تنتهي في مارس 2017م وبنسبة نمو كبيرة تجاوزت 52%، وحتى لو افترضنا أن فرق رفع الضرائب سيتم تغطيته كاملاً من جذب الاستثمارات الأجنبية مع إلغاء العقوبات الدولية، فالفرق يعادل 13 مليار دولار وهو رقم خيالي جداً بالمقارنة مع ما تم تحقيقه قبل عام 2011م (عندما تم فرض العقوبات الدولية) مع فروقات كانت لا تتجاوز 1 مليار دولار للعام الواحد، مما يدل على أن الجزء الأكبر من الفرق سيتحمله المواطن والشركات الإيرانية !!!
من جانب آخر، الذي لم أفهمه هو أن الحكومة الإيرانية تصر على أن الإيرادات النفطية في موازنتها المالية للعام الحالي لن تزيد عن نسبة 30% من إجمالي الإيرادات إلا أنها لم تطلب رسمياً الخروج من منظمة أوبك في تناقض صريح مع شروط عضوية المنظمة التي تقتصر على الدول التي تعتمد في إيراداتها على النفط، ثم بعد ذلك تصر على رغبتها في زيادة طاقتها الإنتاجية من النفط للعودة إلى المستوى الذي كانت عليه قبل فرض العقوبات الدولية وهذا أيضاً تناقض صريح مع ما تدعيه بأنها تهدف إلى التخفيض من اعتمادها على الإيرادات النفطية مستقبلاً، بل ووصل الأمر بها لاستجداء دول داخل المنظمة وخارجها للتعاون المشترك في سبيل إيقاف هبوط أسعار النفط العالمية !!!
وبالنسبة للمؤشرات الاقتصادية التي ترتبط مباشرة بالمواطن الإيراني، فمستوى دخل الفرد انخفض إلى 4,700 دولار ليحتل المرتبة 96 عالمياً بينما يعيش نحو 47 مليون مواطن إيراني من أصل 70 مليون بأربعة دولارات في اليوم الواحد، أما التضخم (وكعادته منذ عقود من الزمن) فبلغ مستويات لا تقل في المتوسط عن نسبة 15% سنوياً وقريباً قد يتجاوز نسبة 20% مع رفع الضرائب، والأهم أن نسب البطالة بدأت في التدهور مؤخراً مع وجود نحو 1,1 مليون شاب جامعي دون وظائف، فيما تناولت وسائل الإعلام خبراً غريباً مفاده قبول 200 طالب جامعي في ولاية لورستان وسط البلاد (23 منهم يحملون شهادة الماجستير) لوظائف مؤقتة في مجال النظافة وكنس الشوارع !!!