محمد بن فهد العمران
بالرغم من جهود وزارة الإسكان المستميتة مؤخرًا لتنشيط القطاع العقاري في المملكة، التي تركزت في السعي لإيصال الخدمات إلى المخططات الجديدة، ثم رفع الحد الأعلى لأقساط القروض العقارية إلى 65 %، ثم رفع نسبة التمويل العقاري لقيمة العقار إلى 85 %.. وهي كلها بالطبع جهود موجهة نحو رفع الأسعار، إلا أن هبوط الأسعار العالمية للنفط كان له تأثيرات سلبية أكبر بكثير من جهود وزارة الإسكان هذه، التي يبدو أن مسؤوليها ومستشاريها لا يعرفون معلومة بسيطة، تتمثل في أن «قيمة العقار في أي دولة هو مخزن لأسعار أصولها الطبيعية صعودًا أو هبوطًا».
لا أخفي عليكم أنني - ولو مرة في حياتي - لم أشاهد وزارة إسكان تركز كل جهودها (على الأقل حتى هذه اللحظة) على رفع أسعار العقار، بما في ذلك الإيحاء بأنها تسعى لزيادة العرض من خلال إيصال الخدمات للمخططات الجديدة، وهو إجراء سيسهم بكل تأكيد في رفع الأسعار (وخصوصًا في المناطق المحيطة بالمخططات) قبل أن يزيد العرض، بينما لم تبذل الوزارة أي جهد حقيقي لزيادة العرض من المخططات الحالية مكتملة الخدمات، التي تشكل غالبية الأراضي البيضاء داخل النطاقات العمرانية. وفي الحقيقة، لم أجد تفسيرًا لإهمالهم المخططات الحالية مكتملة الخدمات كأولوية، بينما يركزون جهودهم على المخططات الجديدة فقط!! ولماذا يسعون جاهدين لرفع الأسعار في هذا الوقت تحديدًا؟؟
مع الهبوط الحاد لأسعار النفط كان من الطبيعي أن تبرز أزمة مالية في قطاع المقاولات، نعيش تفاصيلها اليوم، قد تؤدي ببعض شركات المقاولات للتعثر المالي، وربما الإفلاس لاحقًا (و هذا وارد جدًّا)، إلا أن ما أخشاه شخصيًّا هو أن يتأثر بعض العقاريين بما يحدث في قطاع المقاولات بسبب الترابط القوي بينهما، ثم تنتقل الأزمة إليهم بشكل أو بآخر، وخصوصًا أن شركة جبل عمر - وهي التي تعتبر أكبر شركة عقارية مدرجة في السوق المالية السعودية - قد أعلنت رسميًّا وجود مصاعب كبيرة في سداد التزاماتها المالية تجاه الدائنين، فيما قامت وكالة موديز مؤخرًا بتخفيض التصنيف الائتماني لشركة دار الأركان مع إعطاء نظرة مستقبلية سلبية؛ ما يؤكد لنا وجود بوادر أولية لتوسع الأزمة!!
أقول هذا الكلام لأن مشكلة بعض العقاريين (وخصوصًا الجيل الجديد منهم) أنهم لا يدركون أهمية «إدارة وتخطيط التدفقات النقدية»، وينظرون للاحتفاظ بودائع لدى المصارف على أنها عيب كبير؛ ولهذا السبب عندما يأتي موعد سداد التزامات أو ديون عليهم تجاه الغير قد لا يجدون سيولة نقدية كافية لسداد هذه الالتزامات أو الديون، فيما سيواجهون صعوبة في تسييل محفظتهم العقارية، وخصوصًا أن فكرة التسييل لو تم اللجوء لها في هذا الوقت تحديدًا ستؤدي حتمًا إلى تسارع هبوط الأسعار؛ وبالتالي تقويض جهود الوزارة برفع الأسعار. وفي حال حدوث هذا السيناريو مستقبلاً فهو دليل جديد على عدم إلمام مسؤولي الوزارة بالظروف الاقتصادية المؤثرة على النشاط العقاري.
المشكلة الأكثر تعقيدًا وخطورة من سابقتها هي أن غالبية العقاريين في المملكة يستثمرون ويقترضون من بعضهم (أي وجود شبكة معقدة من التعاملات المالية فيما بينهم)؛ ما يعني أنه لو افترضنا أن عقاريًّا واحدًا فقط تعرَّض لأزمة مالية فإن هذا تلقائيًّا سيُدخل عددًا من العقاريين الذين يتعاملون معه في أزمة مالية، ثم قد تتوسع هذه الدائرة لاحقًا؛ لتشمل عددًا أكبر من العقاريين، وهكذا دواليك إلى أن يكون التأثير كبيرًا كتأثير سقوط أحجار الدومينو، آخذين في الاعتبار أن غالبية الشركات العقارية هي في واقع الأمر شركات خاصة، لا تعلن قوائمها المالية، وهذا بدوره سيجعل من مهمة تقدير حجم وآثار السقوط - فيما لو حصل - مهمة شبه مستحيلة!!