د. محمد عبدالله الخازم
كتبت بتاريخ20مارس 2016م عن كليات التميز مطالباً بالشفافية حولها؛ كيف تم تأسيسها؟ لماذا تدور حول جدواها ومعاييرها الأسئلة المختلفة؟ وغيرذلك. لم يتم الرد رسمياً على الموضوع، وهذا ليس مهما، لكن مصدراً - طلب عدم ذكر اسمه لأنه غير مفوض بالحديث عن الكليات - أوضح العديد من النقاط التي استحقت مني العودة للموضوع.
تحدث المصدر عن تسرب الطلاب والطالبات وضعف مستوياتهم، إلخ. لم أتطرق لهذه القضية وليس لدي تفاصيل حولها، لكنها جديرة بالنقاش، وآمل إعلان أعداد التسرب الحقيقية وكيفية مساعدة الطلاب بمزيد من التحضير، وغير ذلك من الطرق. تلك الشكوى سمعتها كذلك من مسؤول أحد الكليات الأجنبية، وكانت إجابتي واضحة بأن تلك القضية تصنف كتحديات تعليمية وعليهم بالتعاون مع الخبراء المحليين بحث الحلول لمعالجتها لا اعتبارها سبب فشل كامل المشروع...!
أكبر مشكلة واجهتها كليات التميز تكمن في عزوف الطلاب والطالبات عنها. ومالذي يشجع الطالب على دخول كلية فنية وأبواب الجامعة بالجوار مفتوحة له، بنظام مرن وأقل صعوبة من نظام التدريب الفني المكثف والتطبيقي؟ هذا الأمر يؤكد غياب التنسيق بين التعليم الفني والتدريب المهني من جانب وبين وزارة التعليم (العالي سابقا) من الجانب الآخر. التعليم الجامعي توسع بشكل كبير وأصبح يستوعب غالبية خريجي المرحلة الثانوية، لأن تخطيط التعليم التقني جاء ولا زال بمعزل عن تخطيط التعليم الجامعي وقبلها الثانوي. يضاف إلى ذلك السؤال؛ كيف يتحفز الشاب لدخول إحدى تلك الكليات وهو لايعرف تصنيف مخرجاتها ومعادلتها من قبل وزارة الخدمة المدنية وجهات التوظيف الأخرى؟
الأكثر إيلاماً في التنسيق يأتي من داخل مؤسسة التعليم التقني والتدريب المهني ذاتها. تلك الكليات أسست جنباً إلى جنب مع الكليات التقنية التقلدية وبدلاً من التنافس والتكامل بينهما، برزت عداوات وجهل لدى البعض بما يقوم به الطرف الآخر. بل أن بعض مسؤولي كليات التقنية لا يعرفون شيئاً عن كليات التميز تلك، رغم انتماء الجميع لمؤسسة واحدة، وقد وصل الأمر تقدم مسؤول كلية تقنية بشكوى ضد كلية تميز معتقداً أنها كلية أجنبية خاصة، ترتكب مخالفات أكاديمية واجتماعية.
الصعوبات التي تعانيها كليات التميز وتدل على ضعف التخطيط لها وغياب الشفافية حولها، تتمثل في عدم وضوح البنود المالية المتعلقة بها، فبعض مسؤولي الكليات الأجنبية كانت لديهم توقعات بدعم مالي يعوض خسائرهم، والآن هناك شكوى وقلق من الخسائر يقود تلك الكليات للانسحاب. من يمول تلك الكليات؟ هل هي ربحية أم مدعومة من الحكومة؟ هل لها ميزانية رسمية أم أنها تعتمد على صندوق الموارد البشرية فقط؟
طبعاً لا أتوقع أن يرد على مقالاتي أي مسؤول من تلك الكليات لأن الموقف حرج أن يتم الحديث عن المؤسسة المرجعية لتلك الكليات ممثلة في مؤسسة التعليم الفني أو في وزارة العمل. ومن الصعب التحدث عن وزارة التعليم وهم في الأساس لم يقوموا بالتنسيق الكافي معها على دخول تلك الكليات كمؤسسات تعليم أجنبي.
يبدو أننا بحاجة للعودة للفكرة القديمة بإلحاق مؤسسة التعليم التقني والفني بوزارة التعليم على مستوى مجلس إدارتها - مع بقائها كمؤسسة مستقلة وعدم دمج كلياتها بالجامعات- أو المسارعة بتأسيس مجلس لتخطيط التعليم والبحث يضم وزارة التعليم وبعض مسؤولي الجامعات ومدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية ومؤسسة التعليم التقني والتدريب الفني وغيرها من الجهات ذات العلاقة.
مجلس الشورى يناقش تقارير وزارة العمل ومؤسسة التعليم التقني، ولا أدري هل سبق أن ناقش موضوع كليات التميز تلك، أم لا؟
بالنسبة لوزارة العمل أقترح عليهم تأسيس مجلس لتلك الكليات يشارك به كفاءات ذات علاقة من خارج المؤسسة والوزارة، لتطوير حوكمتها ووضع رؤيتها الإستراتيجية العليا؛ مجلس ذي قيمة وفاعلية وليس مجرد لجنة تأتمر برأي رئيسها!
أنا لا أعتقد أنها فكرة وتجربة سيئة تقديم تعليم فني متميز عن طريق الاستعانة بخبرات أجنبية متقدمة، ولست أقترح إلغاء التجربة تماماً، وإنما أبحث عن الشفافية وعن تطويرها نحو الأفضل، لكي لا تتحول إلى نقطة سلبية في مسيرة التعليم العالي والتقني الأجنبي في المملكة.