د. ابراهيم بن عبدالرحمن التركي
(1)
** لم يهجس يومًا بالعودة إلى الشرق بعدما زار عددًا من بلدانها في عشرينات عمره ذاهبًا أو آيبًا من الولايات المتحدة، مثلما لم يفكر قبلاً بالتوقف في إندونيسيا مقتنعًا أن رحلاته إلى اليابان والفلبين والصين وهونغ كونغ وسنغافورة وتايلاند وأستراليا أثرته معرفةً وكفته سعيًا، ولأنه لم يعد من هواة السفر
فليوفر جهده لوجهاته الأثيرة الممتدة شمالاً وغربًا.
** نعتمد نهجًا ويشاء الله سواه؛ فلم يملك غير الموافقة حين وصلته دعوة من مؤسسة سلطان بن عبدالعزيز آل سعود الخيرية لحضور الدورة السابعة من مسابقة الأمير سلطان الدولية لحفظ القرآن الكريم وسنة نبيه - صلى الله عليه وآله وسلم؛ فالمناسبة كبيرة والداعون نبلاء.
** مكث في جاكرتا ساعات لم تتجاوز السبعين منها أربع وعشرون ساعةً في الجو والانتظار، فلن يحكي عن البلد إذ لم يره بل عن أجواء المسابقة مثلما انتمى إليها.
(2)
** أعجبته - في مناسبة القصر الجمهوري - كلمة الأمير خالد بن سلطان حين مارس النقد الذاتي الشفاف للمسابقة واقترح تطويرها، مؤكدًا أن الحاجة إلى فهم القرآن الكريم وتطبيق قيمه أهم من حفظه المردد تعزيزًا لقيم العدالة والعمل والتسامح والتكافل والاختلاف وفقه الأولويات وتحقيقًا لمبدأ الوسطية وحرصًا على تجديد الخطاب الديني وتنقية كتب التراث من الإسرائيليات والخرافات والأحاديث الموضوعة والضعيفة، وراقت له تداخلات الدكتورين سعد الشثري وصالح العايد وغيرهما في جلسة الغداء التالية لحفل القصر، ودارت حول المسابقة وأهدافها وضرورة تحرير نصوص القرآن من التوظيف المؤدلج، وضرب الدكتور العايد الأمين العام للهيئة العالمية للحلال في رابطة العالم الإسلامي مثلاً بالآية الكريمة:{قَاتِلُواْ الَّذِينَ يَلُونَكُم مِّنَ الْكُفَّارِ وَلِيَجِدُواْ فِيكُمْ غِلْظَةً}، حيث تختلف دلالاتها عما يعتمده متطرفو الإرهاب في تشويه معاني الدين العظيم.
** جاء حفل توزيع الجوائز - الذي تشرف صاحبكم بتقديمه - أنموذجًا لجمال الإخراج تنظيمًا واستقبالاً، وظهرت فيه لمسات التميز لفريق العمل بقيادة الأستاذ النشط صالح الخليفي المدير العام لمؤسسة سلطان بن عبدالعزيز الخيرية وجهود الأستاذ منصور المحمود مدير مكتب الأمين العام للمؤسسة والشيخ إبراهيم النغيمشي الملحق الديني والشباب العاملين معهم من المؤسسة ومن السفارة، وأعجبه أن لم ير هؤلاء «الثلاثة» يتصدرون المشهد كما اعتدنا في المناسبات بل اقتعدوا أماكن قصيةً يراقبون ويتابعون نجاح مناسبتهم الكبرى.
** كانت المسابقة خاتمة أعمال السفير الخلوق الدكتور مصطفى المبارك في دولة «ربع المليار مواطن تسعون في المئة منهم مسلمون»، وقد اختصه الأمير خالد بن سلطان بتكريم خاص خلال الحفل.
(3)
يستعيد من المناسبة ما قاله في تقديم الاحتفال:
هذا كتابك إن أردت غدًا تضيء به يمينُك
هذا شفيعك.. إنه القرآن شع به يقينك
فهو المسارُ.. هو الدليل
وهو المدى.. وهو السبيل
وبه تجلى النور
اقرأ
وله ندين العمر شكرا
ونَجِل- جل الله- قدرا
**
المناسبة اليوم مختلفة
ليست احتفالاً فهي فوق الاحتفالات
ولا مراسم فهي أكبر من المراسم
وليست موسمًا فهي لكل المواسم
يتوارى الكلام أمام كلام الله
وتتعثر اللغة عند بيان الله
ولا مقام هنا لفصحاء ولا خطباء
ولا فلاسفة ولا أطباء
**
يعز الدواء فيشفي
وينأى المعين فيكفي
ويتخلى الأقربون فيفي
ويطفف الكائلون فيُوفي
**
أنصفه أعداؤه من لدن الجاهليين
وعظمه أصفياؤه من المؤمنين
وثمن قيمته عارفوه من المحايدين
فلقوله حلاوة
أصله غدق
وفرعه جنى
كما قال الوليد بن المغيرة
**
وهو:
كلية الشريعة وعمدة الملة
وينبوع الحكمة وآية الرسالة
ونور الأبصار والبصائر
وهو
مفجر العلوم ومنبعها ودائرة شمسها ومطلعها
وهو
الفاظ إذا اشتدت فأمواج البحار الزاخرة
وإذا لانت فأنفاس الحياة الآخرة
مثلما حكى «الشاطبي والسيوطي والرافعي»
***
أولئك عرب
يشد بعضَهم البيان
ويحفز غيرَهم الإيمان
فإذا قال الاسكتلندي توماس كارلايل:
«كلما قرأت القرآن شعرت أن روحي تهتز»
وحين أكد الألماني غوتة
أن «استماع آياته كفيل بتحقيق الإعجاب والحب والتعظيم»
وإذ أيقن المهاتما غاندي
«ألا حاجة لنصوص مصطنعة بجانبه»
فماذا نقول أكثر:
**
هذا هو القرآن علمنا الحقيقة والجمال
وأضاءنا شمسًا تطوف بنا المجال
ومدى يفيْ لها الظلال
**
يهدي فلا يهذي من اتبعه
يكسو فلا يعرَى من استمعه
يعلو فلا يرتد من رفعه
(4)
** كان اليومان مضيئين بالتعرف على فضلاء كالشيخ الدكتور عبدالمحسن القاسم إمام وخطيب المسجد النبوي الشريف رئيس لجنة تحكيم المسابقة والدكتور عبدالعزيز العمار وكيل وزارة الشؤون الإسلامية السابق والدكتور أحمد باهمام الأمين العام للهيئة العالمية للمساجد والدكتور أحمد الخليفي رئيس مجلس إدارة الجمعية العلمية السعودية للدراسات الدعوية في جامعة الإمام واقترب أكثر من مجهودات العمل الدعوي وتحضيرات المؤتمرين القريبين عن خطباء المساجد الذي سيعقد في اسطنبول وملتقى المؤسسات الدعوية الأول في الرياض؛ وفقهم الله وأعانهم.
(5)
** كان الشيخ سعد الشثري في قمة اللطف وهو يهمس له ببضع كلمات حول الحفل.
** استعاد الدكتور عبدالعزيز العمار مع صاحبكم ذكرياتٍ لفقيدنا الراحل الدكتور عبدالله اليوسف الشبل - رحمه الله - وليته يكتب تجربته الثرية في العمل الدعوي الخارجي.
** ابتسامة الشيخ عبدالمحسن القاسم اختصرت مسافة القرب، وروحه المرحة جعلته يعلق على صاحبكم حين رآه دون غطاء الرأس: ظننتك شاميًا، وأعادها إليه حين أعطاه رقمه مجزءًا قائلاً: إنه لا يحفظه؛ معقول: تحفظ القرآن الكريم وتتعثر في رقم هاتف، ولعل الشيخ لا ينسى وعده خلال إقامته القصيرة في الرياض برًا بوالدته - حفظهما الله.
** الدكتور أحمد باهمام رجل نادر في لطف معشره وحبه للخير وتفانيه وتساميه ونبله.
** الدكتور صالح العايد كشف عن شاعرية مميزة أخفاها «النحوُ» بدءًا ثم العمل الرسمي تاليًا، وربما رأى الشعر لا يليق بالعلماء كما قال الشافعي، وعارض صاحبكم نصًا جميلاً له وهما في طائرة «تسع الساعات» بين جاكرتا والرياض، وليت الدكتور العايد ينشر قصيدته، وهذا نص صاحبكم:
...
تلوتُ شعركَ في «الأجوا» على مهلِ
وعشتُ -لم أعش- معنى الحب والوجلِ
وسامرت ذكرياتي رجعَ قافيةٍ
تريد قربًا وتخشى سطوة الطللِ
ترتاد صفوًا وفي الآفاق صورتُها
وتنثني كدرًا.. وصلاً بلا أملِ
تعانق الريحَ - ويل الريح - ما صنعت
بنا الفيافي جفافًا مدّ في الأزل
نغالبُ الدمع وقت السعد يكتبنا
حزنٌ.. حنين.. وصفوٌ غير مكتمل
يا سيدي كلنا أصداء ملهمةٍ
تجيء.. تغدو كحلمٍ فرّ من زحل
هذي حكاياتُنا للغيم ننثرها
فاعذر بيانًا غفا يرتاب في المُثُلِ
واستودعِ الشعرَ لونَ الحب في دعةٍ
فساكنُ البحر لا يخشى من البللِ
طابت حياتك بالسلوى وإن غربت
فسيرة الشمس تروي «صحة العللِ»
***
(6)
** شكر خاص للصديق الدكتور عبدالعزيز المقوشي مساعد المدير العام للمؤسسة على حضوره في تفاصيل المناسبة ولو لم يسعد برؤيته.
** هناك آخرون لم يسعفه الوقت لمعرفة أسمائهم فليعذروه ولهم كل الامتنان لحفاوتهم وسهرهم على راحة ضيوف المسابقة.
(7)
** الوحيان وحَّدا الأمة وسيعيدان وحدتها.