اللواء الركن م. سلامة بن هذال بن سعيدان
وبما أن التعاون يشكل أساس النجاح وبدونه لا يمكن لأية قوة أن تنجز مهمتها أو تبلغ هدفها مهما كان عددها وعتادها، ومهما بلغت من التقنية شأناً، وطال بها العمر زماناً، فإن قوات التحالف بمسيس الحاجة إلى هذا التعاون، كما يجب عليها أن تضيف إلى ميزة التعاون مزايا تنسيق الجهود والتعارف وروح الفريق والتطعيم
للمعركة تحت قيادة ذات صلاحية تستطيع التعامل مع المواقف الطارئة والتصرف الفوري تجاه ما تتعرض له دول التحالف من أخطار، وهذه القيادة قد تكون موحدة أو متحالفة أو مشتركة أو قيادة تنسيق، وعلى قدر الصلاحية المخولة من أعضاء التحالف لقيادته العسكرية تكون قدرته على ضبط الأمور والمسك بزمامها، وفي جميع الحالات تتم قنوات السيطرة السياسية والعسكرية عبر اتصالات السيطرة التنازلية التي تنزل من المستوى الأعلى إلى المستوى الأدنى في حين يقابلها اتصال المعلومات التصاعدية التي تصعد من المستوى الأدنى إلى المستوى الأعلى، وهناك اتصالات التعاون والتنسيق الأفقية التي تنقل المعلومات العرضية بين القيادات والقوات المتماثلة.
ونظراً لأن الحرب استمرار للسياسة ولكن بوسائل أخرى، فإن الحرب التي فرضت على الدول الإسلامية، وتشكل التحالف الإسلامي لخوضها، يتعين على هذا التحالف مضاعفة الجهود للتغلب على أضرارها، وإخضاعها للسياسة التي تخدم الأهداف السياسية والمصالح العليا لأطراف الحلف، حيث إن الحرب بالوكالة التي يمارسها رعاة الإرهاب من خلال العملاء والوكلاء ضد المسلمين، خلقت واقعاً في غاية التعقيد، حيث يجمع هذا الواقع بين رعاة الإرهاب وأدواته، وهو واقع يشكل اختباراً بالنسبة لقادة الدول الإسلامية، من حيث قوة الإرادة السياسية والقرار السياسي، وذلك بسبب الصراع العسكري على المستويين المتوسط الشدة والمنخفض الشدة، اللذين يمتزج فيهما الصراع القابل للردع مع الصراع الذي ليس له رادع.
ورغم أن الصراع المنخفض الشدة على مستوى الإرهاب يصعب ردعه، إلا أن مواجهته تتطلب من التحالف العسكري اتخاذ إجراءات وتدابير أمنية واستخباراتية استثنائية، وكذلك إنشاء تشكيلات خاصة من مختلف القوات العسكرية، تشتمل على نسبة كبيرة من مشاة البحرية وعناصر الاقتحام الجوي الرأسي وسلاح المظلات إلى جانب وحدات خفيفة من المشاة والمدفعية والهندسة مع الاهتمام بوسائل النقل السريع لكسب معركة الوقت والمسافة، إضافة إلى إنشاء مراكز متوسطة تساعد هذه القوات على الانتشار السريع حينما تدعو الحاجة إلى انتشارها.
والمسرح الذي دارت عليه أحداث التمرين ومناوراته والعدو المفترض من واقع مواقف أطرافه وفرضياته، بقدر ما يبعث ذلك رسائل سياسية بقدر ما يرسم على المشهد صوراً ودلائل حية، تحاول قيادة التحالف من خلالها إبراز الأهداف العسكرية من وراء إجراء التمرين مع أبعادها الإستراتيجية التي ترتبط ارتباطاً وثيقاً بأمن دول التحالف في بعديه الخاص والعام، الأمر الذي طغى معه أثر مسرح الأحداث على تأثير الأحداث ذاتها، إذ تجسّد في الأفق الخطر الإيراني من جهة، وخطر الإرهاب من جهة أخرى، بشكل فرض على القوات المشاركة في التمرين مواجهة عدو مزدوج، يخوض ضدها حرباً بالوكالة أحد طرفيها يرعى الإرهاب والحرب معه قد تكون وشيكة، وهي قابلة للردع، وإذا ما انطلقت من عقالها فقد تتجاوز الحرب المحدودة إلى حرب محلية مركزية، والطرف الآخر يمثل الإرهاب المزروع والعدو المصنوع المتمثل في تنظيم القاعدة وتنظيم الدولة في كل من العراق وسوريا وليبيا واليمن وغيرها من الدول الإسلامية، وكذلك أذرع إيران الشيعية في العراق وسوريا ولبنان واليمن وغيرها.
والإرهاب الذي أخذت دول التحالف الإسلامي على عاتقها محاربته يندرج تحت مفهوم الصراع المنخفض الشدة، وتعاظم خطره واستفحال أمره جعله ينتقل إلى مستوى الصراع المتوسط الشدة، لظهور ممارساته إلى العلن وتنامي قوته القتالية ضمن مساحة واسعة من الأرض، حيث يكاد يأخذ فيها الشكل الدولة، الأمر الذي يستدعي مواجهته بكل الوسائل الأمنية والعسكرية الممكنة للقضاء عليه. وما ينطبق على تنظيم الدولة ينطبق على التنظيمات الإرهابية المماثلة، مع الأخذ في الحسبان أن ردع الإرهاب يكون أحياناً بالوقاية ضده عبر استباق حدوثه وإجهاض عملياته قبل تنفيذها، كما أن هناك حالات ليس لها رادع، بوصفها أداة من أدوات الحرب الباردة، وثمة حالات يتخذ الردع فيها شكلاً مختلفاً عن أي صراع آخر، حيث يتأرجح ذلك بين القبول والرفض من قبل رعاة الإرهاب وفقاً للحالة والموقف، ومدى الحاجة إلى تحقيق التوازن المطلوب الذي يحول دون تطور الصراع، إذ إن أحد الفوارق بين الصراع المنخفض الشدة والصراعات الأخرى، يكون في حجم ونوع النجاح الذي يحققه هذا الصراع، مقاساً ذلك بمدى التأثير ومقدار التغيير على الخريطة الديموغرافية، والنجاح في صرف الأنظار بعيداً عن أية ممارسات في أماكن نائية للغرض ذاته وأسلوب القتال نفسه، وظاهرة الإرهاب بالغة التعقيد، وذات مستويات متعددة وأبعاد كثيرة ينجم عنها إثارة كم من المشكلات المحلية والإقليمية والدولية بسبب رد فعل ضحاياه وواقع حاضنته ومحاولة الدول التي ترعاه دفع العملاء والوكلاء إلى تحمل النصيب الأكبر لرفع الحرج عنها، وتخفيف الأعباء عليها، وإضفاء صفة الإرهاب على المقاومة والانتفاضة الداخلية.
والإرهاب المصنوع في كل من سوريا والعراق تحديداً هو الذي فتح الباب أمام القوى الكبرى للتدخل في شؤون هاتين الدولتين لأهداف مصلحية وجيوسياسية، كما أن وجود الأنظمة والتنظيمات العميلة أعطى هذا التدخل قدراً من الشرعية، وخاصة في جانبه العسكري، زد على ذلك أن هذه القوى عادة ما تلجأ إلى إشعال الصراع وإضرام ناره بشكل متزايد عن طريق تعقيد مراحله وزيادة مدته، بما يورط خصومها ويخدم مصالحها، ويتيح لها المجال للتوسع والعمل في مسرح آخر مشابه.
ومغزى تمرين رعد الشمال لا ينفصل عن مغزى التحالف العسكري الإسلامي، وإنما هو جزء منه وتجسيد عملي لبعض أهدافه، والمحركات الإستراتيجية التي أدت إلى إنشاء التحالف هي تلك المحركات التي حددت زمان ومكان التمرين، فالأعداء الذين يتربصون بالأمة الإسلامية والتفتت الذي تعانيه بعض دولها على أيدي الغزاة من كل مكان لم يعد ذلك يسمح بالانتظار، ولا يجدي معه الاصطبار، بل لا مناص أمام الدول الإسلامية وهي تعاني من الواقع المؤلم، وتنظر إلى المستقبل المظلم إلا أن تستيقظ من غفلتها وتنهض من كبوتها لمواجهة المد الطائفي الثوري والعدوان الصفوي من جهة، والإرهاب المصنوع من جهة ثانية، والتشيع السياسي الإرهابي من جهة ثالثة، والغزو الروسي من جهة رابعة، والمخطط الأمريكي الإسرائيلي التدميري من جهة خامسة.
وكما أن لكل عمل محركاته ووسائله، فإن له إشاراته ورسائله، وتمرين رعد الشمال الذي حضر مناورته الختامية قادة وزعماء الدول الإسلامية المشاركة فيه، تنطلق رسائله السياسية من محركاته لمقاومة مصادر آفاته على نحو يرتد بصورة عكسية على هيئة ردود أفعال مضادة على الجهات التي صدرت منها الأفعال، بحسب حساسية دائرتها وأولوية خطورتها، ومضمون الرسائل يؤكد استعداد الدول الإسلامية لخوض الحرب القادمة والتحسب لها، وحماية أمن هذه الدول والمحافظة على استقرارها واستمرارها وازدهارها والتصدي للمؤامرات التي تحاك ضدها، بهدف إعادة تقسيمها وترسيم حدودها في شرق أوسطي جديد يتألف من دويلات فاشلة لصالح الكيان الإسرائيلي والنظام الصفوي والقوى الاستعمارية، والأطراف الموجهة لها هذه الرسائل كثيرة وعلى رأسها نظام الملالي وأذرعه العميلة والتنظيمات الإرهابية والقوى الراعية للإرهاب.