اللواء الركن م. سلامة بن هذال بن سعيدان
إن ما يشبه حالة التيه التي تعيشها الأمة العربية جعل بعض المخلصين من أبنائها يتحاشى النقد البناء خوفاً من أن يساء فهم هذا النقد، وتصنع منه الأحداث انتقاداً هداماً وجلداً للذات لا طائل من ورائه، وذلك بسبب ما يعاينه المواطن العربي من إحباط، وما يتملكه من يأس عندما ينظر إلى واقع امته، وما آلت إليه من مآلات مؤلمة باتت تهدد كيانها ووجودها بعد أن كانت تتزعم الأمة الإسلامية، وتشكل رمز قوتها وعنوان مجدها.
والواقع أن ما تمر به الأمة يعتبر مرحلة مصيرية تتعلق بالوجود والبقاء بحيث يطغى أثرها ويتجاوز تأثيرها انتقاد الذات وجلدها إلى ما هو أبعد من ذلك في الأثر والتأثير، نظراً لأن حساسية الأحداث وتسارع تداعياتها، وما قد تؤول إليه من مآلات ويترتب عليها من تبعات، لا تسمح بالتجني على الذات والتفوّه بالأقوال غير المسؤولة التي قد يتخذ منها الأعداء جسراً يعبرون من خلاله نحو تنفيذ مشروعات استعمارية وخطط جيوسياسية في المنطقة تحت مظلة مكافحة الإرهاب بعد ربط هذه الأقوال بأفعال مفتعلة وتغطيتها بأقنعة مضللة.
وتأسيساً على ذلك فإن الدافع إلى كتابة هذه المقالة هو ما يوجه إلى الإسلام السني من اتهامات، وما يتربص بالمنتمين إليه من مؤامرات ويحاك ضدهم من مكائد مع التجني على المملكة ووقوعها في بؤرة الاستهداف من قبل أعداء الإسلام الذين يرون فيها القوة الدافعة والبيئة الجامعة للأمة الإسلامية، لكونها تحتضن الحرمين، وتهوي إليها أفئدة المسلمين، وقدَرُها وقدْرها فرضا عليها قيادة الأمة الإسلامية للدفاع عن دينها وحماية عرينها، الأمر الذي جعلها هدفاً لإتهامات باطلة وحملة إعلامية ظالمة تقف خلفها قوى الشر من الغرب والشرق، تلك القوى التي سخرتها الصهيونية لتنفيذ مشروعها في المنطقة ووجدت في الإرهاب مبرراً للانقضاض على الإسلام السني والإيقاع بالمنتمين إليه، متخذة من التنظيمات التكفيرية والصفوية الفارسية والميليشيات الموالية لها أدوات لتفعيل مؤامراتها وتنفيذ مخططاتها، وفي ظل هذا الوضع فإن كل مَنْ يتخاذل عن الدفاع عن دينه ووطنه وأمته أو يجلد ذاته من خلال انتقادها والنيل منها أو يؤلب الأعداء عليها فهو يعتبر متجنياً على ذاته وجانياً عليها من خلال انعكاس ذلك على الدين أو الأمة أو الوطن.
واستهداف المملكة من قبل أعداء العقيدة والدين، ومحاولات الربط بين دعوة المجدّد محمد بن عبدالوهاب الإصلاحية وبين الإرهاب لم يكن ذلك أمراً عارضاً، ولا اتهاماً عابراً، وإنما مرد هذا التجني والظلم أنها بلاد الحرمين وقبلة المسلمين، كما أن وراء الأكمة ما وراءها من المصائد المنصوبة والمكائد المحسوبة التي دفعت أصحابها إلى وضع الأمور في أماكن غير أماكنها وإطلاق الألقاب على عواهنها وتسمية الأشياء بغير مسمياتها.
والمواجهة مع أعداء الأمة الإسلامية لم تعد مقصورة على مواجهة وسائل الإعلام المأجورة والحملات المسعورة بوسائل مثلها، بل تجاوزتها إلى مواجهات عسكرية بشكل مباشر أو غير مباشر في أماكن مختلفة، وجناية الأعداء مهما كانت مؤلمة في أثرها المادي وتأثيرها المعنوي، فإن الجناية على الذات لها تأثير نفسي ومعنوي أشد مضاضة، حيث إن الأولى يخفف من وقعها وشدة ألمها أنها معلومة وأحداثها منتظرة وتأتي من الأمام والإعداد والاستعداد لها مرهونان بقوة الفعل ودرجة ردة الفعل في حين أن الثانية تأتي من الخلف والمستهدف منها يؤخذ من مأمنه وعلى حين غرة أو حسن نية، وهذا هو واقع الحال ولسان المقال.
والإرهاب بكل تعقيداته وغموض تعريفاته هو المسيطر على المشهد والمحرك لأحداثه، تلك الأحداث التي تقف شاهدة على مَنْ هو المستفيد ومَنْ هو المتضرر من هذه الآفة التي جعلت من بلاد المسلمين مسرحاً لعملياتها والمكون السني هدفاً لها، والتقى فيها الفكر التكفيري مع النزعة الصفوية والعنصرية الصهيونية، كما وفرت هذه الحيثيات الشواهد والأدلة التي يُستدل منها على الجهات التي صنعت الإرهاب لتجعل منه ذريعة لتحقيق أهداف سياسية ومآرب استعمارية على حساب الأمة الإسلامية، ومن هذا المنطلق ولكي تكون الذريعة المستخدمة متفقة مع واقع الطرف المستهدف وحالة الهدف فإنه لا مندوحة أمام صانع الإرهاب إلا أن يتزي هذا الإرهاب المزروع بزي العدو المصنوع الذي هو المكون السني ليصبح هذا المكون بين فكي كماشة الإرهاب ومكافحته.
والمملكة هي أول من تضرر من الإرهاب واكتوى بناره في المنطقة منذ عقود عدة، وضربت مثلاً يحتذى في التعامل معه ومكافحته من خلال إستراتيجية أمنية ناجحة، وعندما ظهر تنظيم الدولة الإرهابي، وتشكل التحالف الدولي لمحاربته كانت المملكة عضواً فاعلاً في هذا التحالف، كما بادرت بالدعوة إلى حشد قوة برية لمحاربة التنظيم على الأرض، إدراكاً منها لخطورة هذه الظاهرة وتداعياتها بعد أن اتضح للجميع بطلان نسبة الإرهاب إلى الإسلام وأن ضرره يقع بالدرجة الأولى على المسلمين مع ملاحظة أن أهداف رعاته وممارسات أدواته يغلب عليها الغموض والتعقيد بقدر غموض وتعقيد أهداف ومصالح الأطراف الدولية و الأجهزة الاستخباراتية والعصابات الإجرامية التي تقف خلف هذا الداء العضال، متخذة من الأقنعة العقائدية ستاراً، يستر ممارساتها الظالمة، ويتفق مع استهدافاتها الآثمة.
وتؤكد القراءة المتأنية للأحداث والحقائق المستخلصة منها ان المستفيد من الإرهاب هو الإرهابي الأصلي حتى لو وقع عليه شيئاً من الضرر الآني طالما هو المستفيد على المدى البعيد وفقاً لتداعيات الموقف ونتائجه، والضرر الآني ما هو إلا لدفع التهمة أو لإيجاد الذريعة وخلق المبرر، إذ إن حالة المستهدف وملابسات الاستهداف لا تنفك عن وجود وقائع وقرائن تدل عليها انطلاقاً من أن الأثر يدل على المؤثر والعج يدل على الريح والدخان يدل على النار، وينطبق هذا التحليل الوصفي على رعاة الإرهاب دون أدواته، حيث إن رعاة الإرهاب تبنت هذه الرعاية للوصول إلى أهداف ذات أبعاد سياسية ومصلحية وأدلجة الإرهاب وإضفاء الطابع العقائدي عليه ما هو إلا ذريعة وغطاء للاستهداف وتحقيق الأهداف.
وعود على بدء فإن العداوة في الدين عداوة كامنة وحالة مزمنة، وغير قابلة للبرء مع وجود مؤثرات تستثيرها وأحداث تستفزها من حين إلى آخر، والتهجم على الإسلام من قبل أعدائه وغزوه ثقافياً وإعلامياً وسياسياً، أمر شبه طبيعي ولن يتوقف حتى يرث الله الأرض ومن عليها، إلا أن سقوط نسبة كبيرة من المثقفين والكثير من الدهماء في براثن هذا الغزو والاستجابة للغزاة، يشكل مكمن الخطورة ومربط الفرس، ناهيك عن مناصرة الأعداء ومظاهرتهم ضد المسلمين من قبل بعض الأقليات التي تعتنق الفكر التكفيري والتشيّع السياسي الصفوي. ونتيجة لادعاء التنظيمات الإرهابية بأنها تنتمي إلى الإسلام واستيطانها في الحواضن الإسلامية تطورت عملية الغزو واكتملت دائرتها، واتصل بُعدها العنيف بأبعادها الناعمة بعد أن مورس الإرهاب، ودخل التشيع السياسي الصفوي على الخط عبر الأقليات الخارجة على أنظمة حكمها والمتنكرة لانتماءاتها الوطنية والقومية، وذلك كما أراد مَنْ أوجد هذه التنظيمات التكفيرية البائسة وتبنى الأقليات الشيعية المسيسة.
والواقع أن الإسلام فوق استهداف المستهدفين وكيد الكائدين مهما اكتنفت الفتن المنتمين إليه حيث إن كفة الخير مرجحة على كفة الشر والتفاؤل مقدم على التشاؤم، بوصف الدين الإسلامي هو خاتم الأديان ومحكوم له بالظهور على غيره والبقاء على ظهر الأرض ما بقيت صالحة للحياة، إلا أن هذا لا يبرر تخاذل الأمة الإسلامية أمام الغزو الذي يتعرض له الإسلام والكيد الذي يتربص بالمسلمين، بغية إضعاف هذا الدين في نفوس المنتمين إليه، كما يظهر ذلك من خلال الربط بينه وبين ظاهرة الإرهاب بهدف الإساءة إلى الإسلام والنيل من المنتسبين إليه.
وللتدليل على ذلك فإن الحملة الإعلامية الحاقدة التي تتعرض لها المملكة منذ فترة من قبل قوى أجنبية معادية للإسلام علاوة على أن هذه الحملة تطعن في عقيدة الأمة وتطالب المملكة بما يتعارض مع دستورها، ويخالف تعاليم دينها فإن محركاتها تنطلق من منطلقات سياسية ولها أهداف كيدية، تخدم مصالح أربابها وتضر بمصلحة المملكة، وحتى تضفي قوى الشر على ما تطرحه وسائل إعلامها شيئاً من التبرير لجأت إلى ركوب موجة الإرهاب، رابطة بين هذه الظاهرة وبين الدعوة الإصلاحية والحركة التجديدية التي قام بها أحد رموز التجديد في الإسلام وتبناها أحد زعماء الأمة، وذلك إمعاناً في التحريض والتجني على المملكة، لقاء مواقفها من القضايا العربية والإسلامية ومركزها الديني ووزنها السياسي وثقلها الاقتصادي، وحضورها الفاعل في معترك السياسة العربية والإسلامية والدولية.
والتجنيات على الإسلام والحملات الإعلامية المغرضة ضد المملكة من غير المسلمين ليست جديدة، وإنما الجديد هو توقيتها وملابسات وظروف حدوثها، كما أن الأكثر جدة وغرابة هو أن يساء إلى الإسلام، وتستهدف المملكة من قبل بعض العرب من أصحاب الأصوات العاقة والأبواق الدخيلة التي جنت على ذاتها وجارت على أبناء جلدتها وتنكرت لقوميتها، وقد قال الشاعر:
جور الغريب مصيبة لكنما
جور القريب هو البلاء الأعظم
وقال آخر:
شر المصائب ما جنته يدّ
لم يثنها عن ظلمها رحم