محمد سليمان العنقري
انتهى اجتماع الدوحة بين منتجي النفط الكبار من أعضاء منظمة أوبك ومن خارجها إلى نتائج صفرية، حيث خاض المجتمعون يوماً طويلاً من المناقشات التي سبقها بلورة مسودة اتفاق على مدى الأسابيع الماضية، وأمضت وفود الأعضاء التي اجتمعت حوالي ست ساعات ليخرجوا بعدها دون أي توافق مبدأي أو نهائي وتركوا الباب مفتوحاً لمزيد من النقاشات خلال الشهرين القادمين، ولم تكن هناك أي مفاجآت بسرعة سقوط أسعار النفط بحوالي ستة بالمئة فور افتتاح الأسواق التي أعقبت الاجتماع لكن الأسعار شهدت عودة لتعوّض خسائرها بنفس اليوم بعد أن تباينت ردود الفعل والتصريحات من بعض الدول المنتجة التي حضرت الاجتماع حول إمكانية استمرار المقترح بتجميد الإنتاج وتكثيف اللقاءات بين لجان مشكّلة لهذا الغرض قد تؤدي لحل ما اعترض المجتمعون على اتخاذ القرار الذي انتظرته الأسواق منذ فترة، وارتفعت الأسعار بسببه أكثر من 40% من أدنى مستويات وصلت لها.
وبالعودة إلى الاجتماع يتضح أنه حقيقة لايوجد تصريح أو بيان صدر ليحدّد ملامح الفترة القادمة حول إمكانية استمرار مقترح التجميد بنفس الفاعلية والحيوية والحماس لتنفيذه خصوصاً من المنتجين خارج أوبك، وكل التصريحات واضح أنها لتهدئة الأسواق وإعادة التوازن لها لإبقاء أسعار النفط عند مستويات الأربعين إلى 50 دولاراً إذا أمكن أن تصل لها، أمّا جوهر المشكلة بعدم التوافق فما رشّح من تسريبات وتصريحات جانبية نقلتها وكالات الأنباء بأن عدم حضور والتزام إيران بتجميد الإنتاج أدى لتقويض الجهود الرامية للاتفاق على المقترح، فمن الواضح أن إيران رغم تأكيدات صدرت سابقاً خصوصاً من موسكو بأنها ستحضر، قد رأت بأنها لن تحضر حتى لا توقّع على التزام بالتجميد بينما ظنت أن وجود منتجين لهم حصة بالسوق تقوق 50 بالمئة من حجم الإنتاج العالمي قد يتفقون على التجميد كفيلٌ بأن يمرّر الاتفاق وبالتالي تستفيد هي من ارتفاع الأسعار وبنفس الوقت تزيد إنتاجها وتحقق مكاسب كبيرة على حساب غيرها لأنها لو حضرت والتزمت فستكون مضطرّة للتنفيذ وبضغط من روسيا بحكم العلاقة الجيدة بين الدولتين وبذلك لا يمكن لإيران إلا الالتزام بالاتفاق وإلاّ ستخسر قدراً كبيراً من علاقتها بموسكو لو زادت إنتاجها وأضرّت بالأسعار انخفاضاً أو كانت سبباً بذلك، وبنفس الوقت لا يمكن للاتفاق أن ينجح دون التزامٍ من كبار المنتجين ومنهم إيران ولذلك فإن ما تسرّب عن موقف المملكة ودول الخليج عموماً بأهمية حضور إيران والتزامها بالتجميد يعد منطقيّاً حتى يتحقّق الهدف باستقرار أسعار النفط عند مستويات مناسبة للمنتجين عموماً تترواح حول 50 دولاراً على الأقل لعام 2016م
فمقترح تجميد الإنتاج بات أكثر تعقيداً وأصبح على دول مثل: روسيا وفنزويلا دورٌ أكبر بإقناع إيران بقبوله ، فدول الخليج في موقف مريح أكثر لتحمّل تراجع الأسعار رغم صعوبة الأوضاع الاقتصادية العالمية كون لديها احتياطيّات مالية كبيرة، وأيضاً قدرة أوسع لاتخاذ تدابير بسياساتها النقدية والمالية تحافظ على مستويات نمو اقتصادي مقبولة أي أنها تمتلك زمام المبادرة تجاه أي وضع بالسوق النفطية إلى مدّة زمنية أطول من غيرها بكثير من المنتجين الآخرين الذين بدأوا يعانون من تراجع أسعار النفط من الشهور الأولى التي أعقبت انهيارها من مستويات 110 دولارات قبل حوالي عام ونصف. لذلك فإن تمسّك دول الخليج بموقفها الثابت بالمحافظة على حصصها بالسوق وهو قرار منظمة أوبك أيضاً الذي اتفق عليه سابقاً من الدول الأعضاء يعدّ خياراً استراتيجياً أساسياً لا يمكن التخلّي عنه، ومكاسبه المستقبلية كبيرة وليست مضطرة لتغييره فمصير الأسعار لن تتحسن بنهاية المطاف.
فمن استعد بشكل جيد لتراجع الأسعار هو الفائز الأكبر لأن الأسعار لا تستمر بالارتفاع دائماً، فهناك دورات سعرية واقتصادية، ولن تسير أيضاً بالاتجاه الهابط لفترات طويلة، فعودة النمو للاقتصاد العالمي بوتيرة أسرع أمر محسوم لكنّ الخلاف هو على متى يحدث ذلك إلاّ أن أغلب الترجيحات تشير أنه سيتحقق في غضون ثلاثة اعوام كمتوسط بخلاف أن دول الخليج وعلى رأسها السعودية لديها استعدادات كافية لتجاوز فترة التراجع بالأسعار مع ما تقوم به من إصلاحات اقتصادية تقلّل من أثر تراجع أسعار النفط مستقبلاً، لكن أغلب المنتجين الآخرين لديهم قدرة أقل على تحمّل تراجع إيراداتهم النفطية، بينما يصارع بعض منتجي النفط الصخري على البقاء، وقد تقلص إنتاجهم وفق بعض التقديرات بحوالي 500 الف برميل يومياً، مما يعطي إشارات إيجابية أن الأسعار ستحافظ على تحسّنها هذا العام من حيث متوسط السعر لكامل السنة رغم ما سيشهده من تقلبات متوقعة.
اجتماع الدوحة قد يكون أهم إيجابياته أنه فتح باباً واسعاً للحوار بين المنتجين من أوبك وخارجها، ووفّر أرضية مباشرة وشفافية أكبر من أي وقت مضى لتحمل الجميع مسؤولية استقرار السوق النفطية وتماسك الأسعار بمستويات مناسبة ومقبولة وبات المنتجون من خارج أوبك أمام مواجهة الدور المطلوب منهم لحماية السوق والشراكة بذلك مع دول أوبك وليس كما السابق يستفيدون من أسلوب المنتج المرجح الذي كانت المنظمة تلعبه سابقاً ولا يتحملون أي مسؤوليات عن ضبط السوق وأسعاره، فمن الخطأ الاعتقاد بأن أول اجتماع سيحسم كل الملفات ويحقق التوافق المنشود بين كبار المنتجين فالأمر يتطلب جولات من النقاشات وتقريب وجهات النظر. ليس لخطوة تجميد الإنتاج فقط بل إلى ما سيعقبها من أي إجراء آخر كتخفيض الإنتاج إذا لزم الأمر، ولكن سيكون مبنيّاً على موثوقية أكبر وتعاون تعد أولى خطواته التوصل لتجميد الإنتاج كاختبار نوايا أولي ليكون هناك تعاون مستقبلي مستمر، وإلاّ فإن جمود المقترح وتلاشيه سيكون خياراً أفضل من توافق لا يوجد ما يؤهّل تنفيذه والالتزام به لأن الثقة إذا فقدت لن تعود بسهولة، والضرر على الأسعار سيمتد لفترات زمنية أطول من المتوقعة حالياً.