محمد سليمان العنقري
أثمرت الزيارة التاريخية التي قام بها خادم الحرمين الشريفين لمصر عن توقيع أكبر وأهم الاتفاقيات بالشراكة والتعاون بين أكبر دولتين عربيتين من حيث الثقل السياسي والاقتصادي بحجم قد يفوق 25 مليار دولار في ظل ظروف صعبة تمر بها المنطقة العربية عموما، واللافت في نوعية الاتفاقيات أنها اعتمدت مبدأ الشراكة وتعزيز وتعميق المصالح بين البلدين بمختلف المستويات.
ولعل إنشاء حسر الملك سلمان بن عبدالعزيز الذي سيربط السعودية بمصر يعد جوهرة هذه الاتفاقيات نظرا لاهميته وأبعاده العديدة حيث سيربط قارتي آسيا وافريقيا بريا لأول مرة، وكذلك سيرفع من حجم التبادل التجاري ليس فقط بين الدولتين بل بين دول الخليج وكذلك مصر وبقية الدول العربية مستقبلا في الجانب الافريقي، وأيضا سيكون ميسرا للتجارة مع اوروبا عندما تكتمل منظومة الطرق ووسائل النقل في الجانبين التي ترتبط بالجسر كانشاء خطوط سكك حديدية وطرق سريعة تصل للجسر بالاضافة الى انتقال المواطنين من الجهتين عبره ليكون وسيلة جديدة للتواصل وحركة السفر، سيسفر ذلك عن نمو كبير بحركة التجارة وبأضعاف القائم حاليا مما سينعكس ايجابا على صادرات دول المنطقة ووارداتها من حيث التكلفة والمنافسة كما سيعزز من قوة ومنافسة المنتجات التعدينية وغيرها من المنتجات التي اسست لها مشاريع ضخمة بالمملكة كمشروع وعد الشمال لإنتاج الفوسفات فمعروف أن سهولة النقل للبضائع والسلع يعد عنصرا اساسيا لنجاح منافسة المنتجين المصدرين مع العالم
لكن الملفت بالاتفاقيات الموقعة انها توجهت مباشرة لشرايين وقطاعات الاقتصاد المصري وركزت على الاستفادة من الميز النسبية بكل دولة مع مظلة تمويلية بصندوق مشترك اسس بمبلغ 16 مليار دولار بين الجانبين ليستكشف الفرص ويستثمر بالمشاريع والقطاعات الرئيسية والحيوية ففي مصر سينشئ تجمعات حضرية وصناعية تحتاجها مصر لتقوية دورها الانتاجي للسلع وتعزيز استقرار كوادرها البشرية المؤهلة بدلا من اتجاههم للعمل بالخارج اضافة الى احياء منطقة مهمة كسيناء التي لم تدخلها التنمية منذ تحريرها من الكيان الاسرائيلي مما سيسهم بتقوية حضورها كداعم لاستقرار مصر ونمو اقتصادها واستقرار عدد كبير من السكان فيها مع وجود مقومات الحياة الكريمة فيها من جامعات ومستشفيات ومنطقة تجارة حرة ستسهم بتحويلها من عبء تنموي وأمني على مصر إلى داعم لاقتصادها وأمنها.
أما بجانب بقية الاتفاقيات فقد ركزت على تعميق العلاقة والتعاون والشراكة بين القطاع الخاص بالبلدين وتسهيل اجراءات تاسيس المشاريع الاستثمارية للسعوديين من شركات ورجال اعمال بمختلف الانشطة الرئيسية كتوليد الطاقة بمصر وكذلك الاستفادة من خبرات قطاع التطوير العقاري المصري بمشاريع مشتركة بالمملكة مع وزارة الاسكان السعودية؛ فالشركات المصرية تمتلك خبرات جيدة اسهمت بانشاء ضواحي ومدن صغيرة بمصر اضافة لخبرات العمالة المصرية مما يعد تعاونا مهما لزيادة العرض من الوحدات السكنية بالمملكة بفترة قصيرة.
تعزيز المصالح وتقويتها بين الدول العربية لطالما كان شعارا فضفاضا نسمعه منذ عقود وكان بأفضل حالاته تعاون بين الحكومات مباشرة الا ان التحول الكبير الفعال حدث لاول مرة من خلال ضخ الاستثمارات مباشرة من المملكة باذرعها التمويلية والاستثمارية وكذلك القطاع الخاص مع نظرائهم من الجانب المصري دون وسيط رسمي لتكتفي تلك الجهات الرسمية بالجانب التنظيمي والاشرافي والداعم لتيسير الاعمال وتسهيل الاجراءات فجسر الملك سلمان ليس فقط مشروع للنقل والمواصلات بل له ابعاد اقتصادية ومعنوية ويعبر عن علاقة جديدة مختلفة تبنى على شراكة ومصالح كبرى تؤسس لنوعية جديدة من العمل العربي المشترك بدأ باهم واكبر الدول العربية ليكون نموذجا يحتذى به ويتطلب جهودا جبارة من حكومات البلدين لتحقيق النجاح لتلك الشراكات والاتفاقات لتترجم بأثر كبير يعكس حقيقة امكانية بناء علاقة عربية ثنائية وجماعية بين الدول العربية تنقل عالمنا ومحيطنا العربي الى مرحلة الافعال، وليس الشعارات في علاقاتها مع بعضها البعض وتنعكس على مختلف أنواع التعاون وتعبر عن وحدة المصير المشترك .