رحم الله أموات المسلمين جميعاً, حين سمعت بخبر وفاة محمد بن فهد بن غشيان حزنت كثيراً وتأثرت وأنا أعلم أن الموت علينا جميعا حق, لكن هنالك من رجالات الوطن الذين حين يرحلون عنا تشعر أن المكان أصابه بعض من فراغ, أن الصورة الحية تبهت قليلاً, كم من رجل من وطني رحل ولم نمسع منه أخبار الأولين والطيبين, كم رواية وحادثة وقصة ذهبت في اللحود ولم تؤرخ لأجيال المستقبل, ابن غشيان -رحمه الله- من صنف هؤلاء الرجال الذين يحفظون الوطن تاريخاً حفر في أذهانهم ووجدانهم, من رجال المؤسس والتأسيس والبناء والنماء.
مثل بن غشيان يسمى فقيد وطن, لأنهم مجموعة من الرجال اختزلهم الوطن في بوتقته وقادوه نحو ما هو عليه اليوم, الحزن على الرحيل كما الحزن على الأجيال القادمة التي للأسف لم يؤسس لها لتبقى على تواصل مع تاريخها وماضيها, نحن ما زلنا نحفظ الأسماء والأفعال والتواريخ, لكن هل هي مؤرخة مثبتة أم في القلوب مقرها فقط, حين تموت القلوب بأمر الله وتدفن الأبدان فكل حرف لم يوثق ذهب مع صاحبه, لهذا لا بد وأن يكون لدينا مكتبتنا الوطنية التراثية التأريخية لنقدم هؤلاء الرجال كنماذج لنا وللجيل القادم قدوة, ليس فقط تكريماً لهم وإن كان مستحقاً بل خدمة لكل مواطن سعودي سياتي يوما ويتغنى بتاريخ وطنه وماضيه, أما بن غشيان رحمه الله فهو لم يطلب يوما تكريماً ولم يطلب يوماً شكرا,ً إن كان عمله خالصاً لوجه ربه, تاركاً بيننا من أولاده الطيبين من سيسيرون على النهج السليم بإذن الله. عزائي لا غشيان ولأبناء الفقيد وأهله كما عزائي للوطن وقيادته ولنا كشعب فقدنا رجلاً من الزمن الجميل، لن نذكر الموت حباً أو كرها لكنني في كل مرة أطالع خبر رحيل لجيل الأولين، أحزن على كل لحظة ضاعت ولم نتعلم منهم أكثر وأكثر, لهذا دائماً ما تدفعني نفسي ويسابقني قلمي لأكتب عنهم مؤرخاً ومشرعاً الأبواب, ليس المديح ما أصبو إليه ولا المجاملة بل هم استحقوا اكثر مما نكتب, وأيضا أحفز الجميع أن اكتبوا عنهم وابحثوا في سيرهم واطروا لمستقبل جميل مبني على ماض جميل.
رحم الله محمد بن فهد بن غشيان فهو اليوم بين يدي العادل الذي لا يظلم عنده أحد, ووفق أولاده من بعده ليبقوا له المورد الأصيل الحسن لعمله المتصل بالدنيا الفانية, فكل خير يصنعوه هو له أجر وثواب بإذن الله, نعم هو في ذمة خالقه ولكن سيرته وذكراه في ذمتنا, لا حاجة له بنا إلا ترحماً مستحقاً عليه, لكن حاجتنا نحن إلى تاريخه وذكراه وجيله الذي كان معه, كم أتمنى أن ندعو لمؤتمر وطني في كل أنحاء المملكة للحديث عن هؤلاء الراحلين ونوثق سيرهم وأخبارهم, كم سيكون جميلاً حين تؤلف الكتب عنهم وتكون لنا ولأولادنا من بعدنا, كم أتمنى ذلك وادعو له دائماً.
- طلال الزغيبي