د. خيرية السقاف
حين تكون الكتابة عن قيادي ماهر، محنك، ذي خبرة ودربة، ودراية..
قد اعتصرته القيادة، وبلورت خبراته الإدارة، وشحذت قدراته التجربة، ومكنته سنوات التعامل مع قيادات مختلفة الرؤية، متعددة التوجهات، متنوعة الأداءات،.. تكون حضوراً واجباً، وأميناً،وصادقاً..
وإنني حين أكتب عن سلمان بن عبدالعزيز فلأنه وحده الذي أكتب عنه وكلي اطمئنان بأن ما أقوله لن يفي ولا يكفي..، ..
فهو قبل أن يكون ملكا كانت له تجربته العريقة الشاهدة بأنه القائد بعيد النظر المحنك القدير الذي لا يفاجئ في قراراته بعيدة النظر، والأثر إلا من لم يقف بوعي فيطلع على تاريخ مسيرته..
إنه مذ كان الشاب اليافع الذي أدى أجل المهام قبل أن يتم عقده الثاني في عهد الملك عبدالعزيز وهو يوحد مملكة شاسعة، ذات اتجاهات أربعة، بكل ما تتضمنه من تنوع، وألوان، وفسيفساء متداخلة، وتركيبة متفاوتة، بمزج عجينتها، وربط نسيجها، وإقامة خيمتها، كان هو ابنه اليافع سلمان مناط الثقة من لمعت حنكته، وبانت قدراته، واتضحت سماته الشخصية، القيادية منذ طلعته إذ ذاك..
وامتدت به الخبرة، والتجربة، وزيدت بنهمه في المعرفة، والقراءة، والتعرف على تجارب الدول، وقيادات التاريخ، وهو ينهل من معين المواقف، ويمنح، فأكثر من نصف قرن كان فيها نموذجا لا تتخطاه دهشة كل من عمل معه أميرا للرياض، ولكل من قدر له أن يرتبط بعمل معه هذا القائد، وكنت واحدة ممن عرف هذا الفذ، وبُهرت بشخصيته الحيوية الفاعلة الذكية، بعيدة النظر، فورية القرار، مدهشة اللماحية، وهو يتحلى بالنمير من عذب الروح، وطيب القلب، وصفاء الذهن، وذائقة الفكر، مع خصائص ذاتية من الوعي، والجلد، وقوة القرار، وحِدّة الضبط، وصلابة الموقف، مع كثير من الرحمة، والإنصاف، والعدل، في المواقف حين تتطلب الاحتواء الذكي، مع حسن اختيار التوقيت.
كيف إذن لا تفيض له، المحابر وعنه واجبا، وصدقا، وهو يحقق خلاصة لهذه الخبرة، وهذه المزايا كل الذي قدمه للتاريخ منذ تفرد بمقود القمة، واستفاض أثره إلى أبعد من حدود وطنه، وأمَّتيه الإسلامية العربية، والإسلامية الشاسعة..؟
ففي الشأن الداخلي، قَلبَ في حقبته الطاولات بكل غثها ليعاد فوقها وضع الصفحات بيضاء فتُكتب سطورها بحروف النزاهة، والجدية، والضبط، والجزاء، والثواب على مستويات تبدأ بالوزير، ولا تنتهي عند حارس الباب، وفي الشأن كله التعليم، والصحة، والإعلام، والاقتصاد، ومصادر الدخل، وعتاد الجيش، وحدود الوطن إلى الحسبة، وحماية الفرد، وحقوقه..؟!
وفي الشأن السياسي هزكتوف الغافلين ينبههم إلى وجود قيادة عربية هنا تضع النقاط على الحروف.. فاستيقظ يا نائم، واعقل يا جامح، واصمت يا مثرثر، وتنبه يا غافل، واعمل يا متواكل، واحذر يا متجاوز، واستعد يا ظالم..!
فالبساط سلماني، لقد ربط العلاقات، وحدد مقاعد الدول، ورتب مكانها من جديد في سعيه المدروس، المقننة حركته، المقدر له وقته، وهيئته، ومضامينه، وأبعاده..
فهذه الدولة لن تترك جيرانها، ولسوف تأخذ بأيديهم من دول الخليج لغرب أفريقيا، لحيث الأوطان المهزومة، والشعوب المنكوبة، نحو النفوس المكسورة، والأجساد المشتتة، لتردم أنقاض الهزيمة، وتدفن رمادها، وتوقد شعلتها، من رعد الشمال بعد عاصفة الحزم، إلى اليمن وتونس، للجزائر، وسوريا، للعراق والبحرين، إلى مصر الأبية، وتركيا الفتية، وكل الأوطان العربية فلسطين في البدء والمنتهى.. وقد فعل..
فليُسمع جرس السعودية العالم بأسره، أطلقه سلمان يدوي في أرجاء المعمورة كلها بثقة وقوة، فمن شاء السلام عليه المسير فوق بساطه السِّلمي، ولا غير حدوده حداً، ولا غير رايته مجداً، رسمها وأعلاها..!!
اليوم، يحق للقلوب الواجفة من شرق العرب لغربها، ومن شمالها لجنوبها أن تطمئن فهذا القائد الفذ قد أعاد ترتيب البيت العربي داخليا، وهو يوطد صدارته الدولية، ويعيد مهابته بين الدول، يلبسه ثوب العز مطرزا بقراراته الحكيمة، وبسعيه الحثيث النابض، وبزياراته النافذة الداعمة الممتدة،..
وهو يشيح عزيزا عمن لا يراه. فلا حاجة لأمة عزيزة غير أهلها، ومقدراتها، وجسورها، ومنجزاتها،وثرواتها، وأفكارها.
إنني إن أشيد بهذا القائد الفذ فلأنه أطلق لنهر المحابر أن تغترف من جداوله، ففي الذي فعل خلال عام مذ توليه الحكم يبهركل عقل، فكيف لا يبهر الأبجدية لتلضم بحروفها أجمل العبارات، وأصدق الدهشات، وأوفى الواجبات عنه..؟
لأنه الفذ في زمن خلا من مثله فإنني أكتب عن سلمان السلام، من بسط النسيج، ورتق الشقوق، ومكن الوتد، وصب الفرحة في القلوب النازفة، ورفع الرؤوس المنحنية، وشد الكتوف المتهالكة..
من مسح الشحوب عن الأمنيات، وبذر الخضرة في التطلعات، وفتح أبواب العمل على مصراعي الجد، والركض، والفكر، والعطاء في داخل البيت وطنه، وفي خارجه قومه، وعزز جذور الأمة الكبرى أمته العربية المسلمة، والإسلامية في جغرافية الكون.
نسأل الله أن يشد أزره، ويوفقه، ويثبته، ويعينه، ويلهمه، ويمده بعونه الذي لا يرام. ويصد عنه وبه أذى الماكرين.
يكفي أنه أخرج أمة العرب، والمسلمين من أقبية التجاهل، والصفوف الأخيرة لتكون مآل الاحترام، والمهابة.