بيروت - منير الحافي:
بهدوء وعمق، يفكر وزير المالية السابق والخبير الاقتصادي الدكتور جهاد أزعور الرجل الذي تسلم ملف المالية اللبنانية في مرحلة صعبة من تاريخ لبنان، على أيام الرئيس فؤاد السنيورة -يوم تمت محاصرة السراي الحكومي من قبل حزب الله ومناصريه في العام 2005 وصمدت الحكومة- يتذكر الوقفات السعودية مع بلده في تلك المرحلة، وفي كل المراحل التي سبقت وتلت.
اليوم يرى أن على الحكومة اللبنانية ومجلس النواب والقطاع الخاص، أن يتحركوا جميعاً تجاه المملكة ودول الخليج لرأب الصدع الذي حصل مؤخراً في العلاقات البينية.. ويؤكد أزعور أن مصلحة لبنان الإستراتيجية هي مع المملكة ودول الخليج.. معلناً أن هذه الدول يمكن أن تتخلى عن لبنان فيما لبنان لا يمكن أن يعيش من دون الخليج.
وعن زيارة الملك سلمان لمصر، يرى أزعور أنها تاريخية بكل المقاييس، وأن الزيارة أسست «جدياً» لشراكة سعودية مصرية اقتصادية تفتح الباب لتعاون سياسي كبير بين أكبر بلدين عربيين، ومنهما إلى كل المنطقة العربية.. ويقول إن السعودية ومصر بتعاونهما اليوم، يقولان للعالم إن ركيزة هذه المنطقة الأساسية هم العرب.. (الجزيرة) زارت الوزير أزعور في مكتبه في وسط بيروت، وعادت بهذا اللقاء.
* معالي الوزير، بصفتكم وزير مالية سابقاً وخبيراً اقتصادياً اليوم، كيف تقرأ الاتفاقات السعودية - المصرية؟ وما هو أثرها على كلا البلدين.. وعلى العالم العربي بطبيعة الحال؟
- القطبان الأساسيان في العالم العربي هما السعودية ومصر.. فهما اكبر قوتين سياسيتين في العالم العربي، وزيارة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز لمصر هي زيارة تاريخية بعدة معايير. فهي تحصل للمرة الأولى بهذه الحفاوة ربما لملك سعودي منذ زيارة الملك عبدالعزيز لها في العام 1926، وثانياً لأن الزيارة رافقتها مجموعة كبيرة من الاتفاقات والقرارات. على الصعيد الاقتصادي، لا شك أن ربط مصر بالسعودية عبر جسر الملك سلمان معناه ربط الخليج والمشرق العربي.. وثانياً أنه عبر إيجاد تفاعل اقتصادي إيجابي بين أكبر دولة من حيث عدد السكان في العالم العربي مصر، وبين أغنى دولة عربية اقتصادياً المملكة.. فهذا معناه الانتقال جدياً في موضوع الشراكة الاقتصادية العربية. ولا ننسى أن هذا الأمر يتزامن مع تغييرات اقتصادية كبيرة جداً داخل المملكة من خلال فتح الاقتصاد ليكون أوسع من قطاع النفط، ومن خلال مجموعة من الإصلاحات التي ستغير في المدى المتوسط القاعدة الاقتصادية في المملكة. إذاً، تأتي الاتفاقية السعودية -المصرية في توقيت مهم جداً تشهد فيه المنطقة تغييرات جيوإستراتيجة، ولهذا السبب يجب متابعة نتائج الزيارة والاتفاقات المرتبطة بها.
* ما هو تأثير الاتفاقات على المنطقة العربية؟
- برأيي تأثيرها كبير جداً. فاليوم يُعطى للعالم العربي من خلال هذه الاتفاقية حجمٌ أكبر.. فهو كان ينظر إليه سابقاً كمنطقة مشتتة أو مقسمة. لكن من خلال هذه الاتفاقيات السعودية - المصرية وما سينتج عنها من تقارب ومن تفاعل بين الدول العربية الكبرى، سنرى تكتلاً اقتصادياً ونأمل أن يتحول سياسياً فاعلاً أكثر وأكثر. وهذا أمر أساسي للمنطقة في ظل المتغيرات التي تحصل حالياً على الصعيد الدولي، وهو إيجابي بالنسبة للحركة الاقتصادية في المنطقة، لأن الانفتاح الاقتصادي والتكامل الاقتصادي هما عنصران أساسيان في تعزيز دورة النمو فتستفيد منها كل المنطقة.
هل تعتقد أن التقارب السعودي - المصري يضع أمام ناظريه إيران؟ أم أنه لا ينظر الى الخصوم، بل يهدف فقط إلى تحسين الأوضاع المشتركة والعربية عموماً؟
- نحن اليوم في العالم العربي لا نستطيع أن نتكلم عن وحدة عربية أو عن قوة عربية عندما يكون القطبان الأساسيان (السعودية ومصر) ليسا على تفاعل إيجابي. فأوروبا مثلاً ومنظومتها الاقتصادية، قائمة اليوم على الشراكة والتفاعل بين فرنسا وألمانيا فهما الدولتان الركيزتان في المجموعة الأوروبية. وعندما يحصل تقارب وتنسيق ما بين السعودية ومصر، يمكن القول إنه وضع العمود الفقري الأساسي للمنطقة العربية كي تكون جدية. وبغض النظر عن التأثيرات أو التفاعلات مع لاعبين آخرين في المنطقة، فإن هذا الثنائي هو ثنائي إستراتيجي لبناء عالم عربي فاعل بشكل جدي. ثانياً، هذا الثنائي يربط جزءين من العالم العربي: الخليج من جهة والمشرق العربي من جهة أخرى.. وهذه مسألة مهمة جداً أيضاً. وثالثاً، أنه في السابق كانت المنظومات مبنية في المنطقة على قاعدة أن العالم العربي هش يجب تقوية دول أو محاور أخرى غير العرب. اليوم أتت السعودية ومصر لتقولا: لا هذه المنطقة ركيزتها الأساسية هم العرب وهذا التقارب بين الدولتين يؤكد هذا الأمر؛ نحن كدول عربية، ومنها لبنان، نستفيد من هذا التقارب نستفيد من فكرة أننا صرنا موجودين ككتلة عربية وهذا التقارب سينتج عنه تفاعل اقتصادي أكبر وتنسيق سياسي أكبر، وستعطى جامعة الدول العربية ثقل أكبر، فقد صرنا مجموعة لها موقعها في النظام العالمي. ولا شك أن كل الدول القريبة، خصوصاً دولة مثل لبنان المنفتح على المشرق وعلى دول الخليج، سيستفيد. لكن الأمر يتطلب من لبنان أن يعود وينظر إلى مصالحه الإستراتيجية بطريقة عقلانية. فلبنان اليوم هو من أكثر الدول العربية انفتاحاً تجارياً واستثمارياً وفي مجال تبادل الخبرات.
* ما برأيك الخطوات التي يجب على لبنان أن يقوم بها في هذا المجال؟
- كل الدول تنظم علاقاتها بناء على مصالحها الإستراتيجية، ولبنان مصالحه الإسترتيجية مع العالم العربي ومع الخليج خصوصاً.. فستون بالمئة من تصدير لبنان يتجه لدول الخليج وأكثر من مليون لبناني يرتزق ويحوّل رؤوس الأموال من دول الخليج، وأكبر نسبة تصدير خدمات من لبنان هي لدول الخليج، مثل الخدمات الهندسية والخدمات التعليمية والاستشارية، واكبر نسبة استثمار وإنفاق غير لبناني في لبنان هي من دول الخليج. العلاقة الإستراتيجية للبنان يجب أن تتخطى الوضع السياسي الداخلي، وأن تتخطى الرؤساء والحكام. فمثلا العلاقة الإسترتيجية اليوم بين فرنسا وألمانيا تتخطى من هو رئيس فرنسا ومن هو مستشار ألمانيا. هذا أمر أساسي بالنسبة للبنان، ولكن لسوء الحظ أنه من خلال الأخطاء التي راكمناها في المرحلة الماضية أدخلنا مصالحنا الإستراتيجية بمنظار آخر هو بطريقة تعاطينا الداخلي. فيما الصحيح أن الخلاف الداخلي مهما كبر يجب أن لا يؤثر على مصالح الدولة الستراتيجية. الخطأ حصل حين عرضنا مصلحة لبنان للخطر إرضاء لمصالح بعض القوى السياسية الداخلية. أضف إلى ذلك أنه على مدى عقود، منذ بداية حرب لبنان في العام 1975 حتى حرب تموز 2006م، كانت دول الخليج العنصر الأساسي في تأمين الاستقرار من خلال حركة ديبلوماسية كبيرة، أدت الى اتفاق الطائف وإلى اتفاق 1701 في مجلس الأمن. وكل ذلك لحماية لبنان واستقلاله وكيانه كي لا يتقسّم. أما على الصعيد الاقتصادي فقد لعبت دول الخليج الدور الأساسي في تأمين الدعم. وبغض النظر عن كل ذلك، فإن مصالحنا الإستراتيجية يجب أن تكون، حيث تكون علاقات لبنان الاقتصادية أقوى واستثماراته أكثر، وحيثما تكون مصالحة الاقتصادية.
* ما المطلوب من لبنان لتحسين الوضع مع السعودية والخليج؟
- أطلب من الحكومة اللبنانية أن يكون عندها إستراتيجية لمعالجة الأخطاء التي تراكمت في العلاقة مع إخواننا في الخليج.. ولنعط مثلاً أن الكونغرس الأمريكي أقر قانوناً يؤثر بطريقة غير مباشرة على القطاع المصرفي، ومن أجل ذلك تم تشكيل لجنة نيابية توجهت إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وذهب وزير المالية، والقطاع المصرفي ومصرف لبنان تحركاً في هذا المجال.. كل ذلك لمعالجة مشكلة مهمة، لكن ليست بأهمية المشاكل التي يمكن أن يتعرض لها لبنان إذا ساءت علاقاته مع دول الخليج! لذلك يجب أن توضع خطة عمل لترميم العلاقة يشارك فيها الجميع من الحكومة والقطاع الخاص ومجلس النواب. دول الخليج يمكن أن تستغني عن لبنان لكنّ العكس غير صحيح. ونظراً للاوضاع الاقتصادية الصعبة التي يعانيها لبنان، ونظراً للتغييرات التي تعيشها المنطقة، يجب أن ينال لبنان حماية عربية واحتضاناً عربياً وعمقاً عربياً، والعمق العربي الأساسي هو دول الخليج.