خالد بن حمد المالك
منذ أكثر من أربعة عقود وإلى اليوم تشرّفت بأن أكون ضمن رؤساء التحرير المرافقين للملك سلمان في كثير من زياراته الداخلية والخارجية، بعضها حين كان أميراً لمنطقة الرياض، ثم وزيراً للدفاع، وبعضها الآخر حين أصبح ولياً للعهد، فملكاً للمملكة العربية السعودية، وفي كل رحلة، ومع كل مناسبة، وأين كان المكان ومتى كان الزمان، مع مختلف سنوات العمر، وتنوّع الصلاحيات، وجسامة المسؤوليات، ظل سلمان بن عبدالعزيز، هو الأمير نفسه الذي كان بمواصفات ملك، وهو هذا الملك الذي بقي ممسكاً بملامح الشخصية الآسرة النافذة، حيث التصرف الحكيم، ومعاملة الآخرين باحترام وتواضع، وحيث الرؤية الصحيحة لأي قرار، أو تعامل مع حدث أو قضية تتطلب موقفاً منه.
***
هو سلمان الذي يزن الأمور بحنكته وبعد نظره، يقرأ ما يمكن أن يحدثه أي قرار من تداعيات قبل موافقته عليه، يتأمل ويفكر بما يعينه على أخذ الخيار الأفضل لبلده ومواطنيه وأمته، وسلاحه في ذلك الصدق والإخلاص والنية الطيبة، والالتزام بما يجنب بلاده ومواطنيه ما تشتكي منه الدول الأخرى وشعوبها، فكان أعطى للآخرين دروساً في متطلبات الزعامة الحقيقية، وعلّمهم أبجديات الممارسة الصحيحة لها، بشجاعة دون تهور، وليونة دون ضعف، وبقرارات لا يندم عليها، يساعده في ذلك شعب يحبه، وإرث ثري من القيم تعلّمها من والده الملك عبدالعزيز، ومن ثم من إخوانه ممن سبقوه إلى سدة الحكم ملوكاً وولاة عهد.
***
كثيراً مما نعرفه وتعرفونه يستحق أن يقال عن سلمان، تواضعه، سخاؤه، انتصاره للمظلوم، عاطفته مع كل موقف يكون هناك من المواطنين ممن يحتاج إلى نبله وشهامته، وعاطفته السخية الحاضرة التي تتحول إلى سند ودعم ومؤازرة لمن يحتاجها، فيما تتناغم هذه المواقف الإنسانية من الملك مع دور وطني وعربي وإسلامي شامخ ومشهود، ضمن صفاته ومواصفاته -وما أكثرها- التي تعبّر عن شخصية مبهرة، وقامة كبيرة، وملك هذا بعض ما يمكن أن يُقال عنه، في زمن وتطورات وأحداث تحتاج إلى مثل سلمان بن عبدالعزيز كي يضبط إيقاع الأوضاع بمثل ما نراه.
***
كنا -رؤساء التحرير- جميعاً معه في زيارته لمصر، خمسة أيام -تنقص قليلاً- وفيها حدث ما حدث، وأنجز ما أنجز، ما اعتبره الجميع مدخلاً للقول عن الزيارة الملكية لمصر بأنها تاريخية، وغير عادية، ولا تدخل ضمن زيارات المجاملات بين الزعماء، أو تلك التي يقال عنها إنها زيارات رمزية، فالنتائج تتحدث بأكثر مما يقال عنها، والأجواء التي صاحبت الزيارة عبّرت بما هو أهم وأعمق، وبالتالي فكل ما سيكتب عنها سيظل قاصراً عن وصفها بما تستحق، أو توصيفها وصفاً يليق بما أنجز فيها، لأن ما تم الاتفاق عليه، وما أعلن عنه، وما تم التوقيع عليه أكثر بكثير من الكلمات، وأبلغ من كل وصف، وأعمق من أي قراءة أو تحليل للمضامين الكثيرة التي خيمت على أجواء الزيارة، وحركت العلاقات الثنائية إيجاباً بأكثر وأعظم مما كانت عليه على امتداد التاريخ وفي أي فترة من الفترات.
(يتبع)