سلطان المصادري
في أواخر شهر ديسمبر من العام المنصرم، شن مسلحان هجمة إرهابية على مركز طبي لخدمات ذوي الإعاقة العقلية في مدينة سان برناردينو بولاية كاليفورنيا. نفذ الهجمة الإرهابية أمريكي وزوجته واللذان ينحدران من أصول باكستانية.
لاحقتهم السلطات الأمريكية وقتلتهم بعدها بساعات. صادرت المباحث الفيدرالية الأمريكية FBI آيفون 5C تعود ملكيته للزوج التعيس (سعيد فاروق) وحاولوا الولوج لحساب الآي كلاود للحصول على معلومات إضافية عن أي هجمات إرهابية أخرى محتملة ليقفل الهاتف نفسه طالباً الرقم السري لفتحه. المشكلة هنا بأن المباحث الفيدرالية لا تستطيع اختراق الهاتف لسبب بسيط، الهاتف يمكن أن يقبل فقط 10 محاولات خاطئة لتخمين الرقم السري وبعدها سيقوم بمسح جميع البيانات التي يحفظها كإجراء أمني. طلبت الـ FBI مساعدة آبل لفتح الهاتف وقوبل هذا الطلب برفض واضح. أشعل هذا الرفض معركة حامية الوطيس بين آبل والـ FBI وصل لهبها ردهات المحاكم. قدمت FBI طلبا إلى القاضي الفيدرالي لإصدار أمر يلزم آبل لكتابة برنامج خاص يتم تحميله على الهاتف من على بعد يمكنهم من تجاوز قيد الـ10 محاولات التي تمنعهم من اختراق الهاتف ليتمكنوا من تخمين عدد لا نهائي وبالتالي النجاح في فتح الهاتف. رفضت آبل ببساطة لأن هذا الأمر سيمكن FBI من الحصول على باب خلفي لجميع هواتف الآيفون مما يلغي الحماية المنيعة التي تتمتع بها هواتفهم الأكثر مبيعاً بالعالم ويعد انتهاكاً صارخاً لحريات مستخدميهم. آبل تخشى أيضاً أن يكون هذا الطلب مقدمة لطلبات أخرى تقدمها السلطات الحكومية الأمنية للحصول على إمكانية الولوج إلى كاميرا شخص ما أو تشغيل الميكروفون في هاتفه للتجسس عليه من بعد على سبيل المثال أو غيرها من الطلبات التي لن تنتهي. تعتقد آبل بأن هذا الطلب مجرد جولة أولية في معركة طويلة قد تشرع الباب أمام سلطات محلية وعالمية لتقديم طلبات مشابهة سينهار بسببه جدار الحماية التي يتمتع به هاتف الآيفون. أيضاً تخاف آبل أن يسقط هذا الباب الخلفي الذي ستقدمه إلى FBI بيد المخترقين والمجرمين حول العالم مما سيهدم الإرث والسمعة الجيدة التي اشتهر بها الآيفون. FBI تعتقد بأن أمن المجتمع الأمريكي يجب أن يقدم على أي اعتبارات أخرى تخشاها شركة التفاحة المقضومة وتؤكد بوضوح بأن الطلب واضح ويخص هاتف واحد فقط وليس جميع هواتف الآيفون.
كسبت FBI الجولة الأولى عبر إصدار قاضي فيدرالي أمر غير «ملزم» يقضي بتقديم آبل العون إلى FBI وهو الأمر الذي رفضت الأولى التجاوب معه. قدمت FBI طلبا آخر يستقضي إلزام آبل بتنفيذ الأمر الأول ولكن FBI سحبت الطلب في اللحظات الأخيرة لتعلن بعدها نجاحها باختراق الهاتف بعد مساعدة قدمتها شركة غير معروفة المرجح أنها إسرائيلية (وادي السيليكون بتل أبيب يعج بشركات الأمن الإلكتروني التي تعد من الأفضل بالعالم). أسدل الستار على المعركة بلا خاسر.
كانت معركة بين الحرية والأمن وكان سينتصر بها من يعتقد القاضي الفيدرالي بعدالة قضيته. هل يحتاج المواطن الأمريكي الحفاظ على حريته أم أمنه؟ هذا هو السؤال الذي كدنا أن نسمع إجابته لولا تدخل تلك الشركة المجهولة. كانت المعركة الأولى ولكنها لن تكون الأخيرة.