سلطان المصادري
كيف حصد شاب سويدي 13 مليون دولار في 2015؟ كيف باع يوتيوبر أمريكي شركته بنصف مليار دولار؟ كم يكسب اليوتيوبرز السعوديين؟
أضحى موقع اليوتيوب المكتبة الرقمية الوحيدة في العالم للفيديوهات التي يسجلها سكان كوكب الأرض وبقرة حلوب تدر ملايين الدولارات لمالكه شركة ألفابيت «قوقل» ولعماد الموقع من صناع الفيديوهات من اليوتيوبرز. رحلة مثيرة خاضها موقع اليوتيوب بقيادة اليوتيوبرز بدءًا من فيديوهات مضحكة للقطط ولضحكات الأطفال ومقاطع فنية ورياضية مسروقة من التلفزيونات الرسمية ومروراً بصرعة يوميات المستخدمين (فلوقز) ووصولاً لمرحلة النضج بعد انتشار الفيديوهات المفيدة التي تحتوي على مواد كوميدية أو تقنية أو إخبارية أو ثقافية، وانتهاءً بمرحلة الاحتراف، حيث تحولت تلك القنوات إلى كيانات رسمية تدر أموالاً ضخمة. كيف يجني اليوتيوبرز العالميون تلك الأموال الطائلة؟ ما هي مصادر الدخل؟ وكم يربح اليوتيوبرز السعوديون؟
انطلق اليوتيوب عام 2005 بتعاون مشترك من مجموعة من الموظفين السابقين في موقع بي بال بعد إلهام سخيف جداً يعود الفضل فيه إلى المغنية جانيت جاكسون. أحيت الأخيرة الحفل الموسيقي في نهائي السوبر بول الأمريكي عام 2004 وانكشف جزء من صدرها في حادثة أطلق عليها «فضيحة العقد» وانتشر وقعها كالنار في الهشيم في الصحف العالمية ومواقع الإنترنت لتدفع جاود كريم للبحث في الإنترنت عن مقطع الفيديو الشهير، وهو ما فشل فيه بعد ساعات من البحث المضني ليفصح بعدها لزميليه شاد هارلي وستيف شين عن فكرة تأسيس موقع للفيديوهات، ليولد اليوتيوب بعدها بأشهر. تلك الفكرة العظيمة التي ولدها ذلك الإلهام السخيف جرت ألفابيت (قوقل بذلك الوقت) إلى دفع مبلغ مليار ونصف المليار دولار بعدها بسنتين لشراء اليوتيوب في أحد أنجح الاستحواذات التقنية في التاريخ (يدر يوتيوب حالياً مليار دولار سنوياً).
كما وُلد اليوتيوب عبر إلهام سخيف، وُلدت غالبية القنوات لأسباب غير معروفة وغير تجارية، وغص الموقع في بدايته بفيديوهات إباحية وسخيفة وذات محتوى فارغ وعديم المضمون. لكن في عام 2007، أعلن اليوتيوب عن برنامج لمشاركة الأرباح مع منتجي الفيديوهات من المستخدمين أسماه «شركاء اليوتيوب»، وهنا انفجر الموقع. تحول اليوتيوب من مجرد موقع لنشر الفيديوهات التي يصورها أصحابها في أوقات الفراغ إلى مهنة رسمية ووظيفة بدوام كامل تدر مئات الآلاف من الدولارات من فيديو واحد.
مصادر الدخل لليوتيوبرز
مصدر الربح الرئيس لليوتيوبرز هو الإعلانات النصية أو المرئية والتي تظهر إما بجانب الفيديو أو تحته أو في بدايته. وتستخدم شركة اليوتيوب منهجية الإعلان الموجه حيث تتابع الشركة الأم «قوقل» إيميلاتك في «جي ميل» والمواقع التي تزورها عبر متصفح كروم أو التي تبحث عنها في محرك بحث «قوقل» والفيديوهات التي تشاهدها في اليوتيوب للخروج بإعلان مناسب لاهتماماتك مما يرفع من نسبة النقر على الإعلان. لكن اليوتيوب يدفع فقط عند تفاعل المشاهدين مع الإعلان الظاهر عبر النقر عليه أو التوقف لمشاهدة الإعلان في بداية الفيديو وإكماله للنهاية. لا يوجد طريقة حقيقية معلنة لحساب الأرباح التي يجنيها اليوتيوبرز من الفيديوهات التي ينشرونها في الموقع لاعتماد النسبة الربحية على معدل التفاعل، وهو رقم غير معلن مع الأخذ بالاعتبار اختلاف سعر النقرات من إعلان تقني أو طبي أو تجاري بحت. لكن يمكن الاعتماد بشكل نسبي على رقم المشاهدات للخروج برقم تقريبي لمعدل الأرباح من الفيديوهات في اليوتيوب. فمليون مشاهدة لفيديو واحد يمكن أن تدر مبلغاً يتراوح من 1500 - 3500 دولار. مليون مشاهدة للفيديو الواحد يعتبر المعدل الطبيعي لقناة تملك مليون مشترك، ولذلك بحسبة بسيطة «تقريبية» يمكن للقناة التي تنشر نحو 10 فيديوهات في الشهر بمعدل فيديو كل 3 أيام توليد 25 ألف دولار، وبعد اقتطاع حصة اليوتيوب (يأخذ اليوتيوب 45 % واليوتيوبر 55 %) يحصل اليوتيوبر على نحو 14 ألف دولار في الشهر. لذلك يمكن بشكل «تقريبي» الخروج بهذه الحسبة البسيطة (100 ألف مشترك = 1400 دولار، مليون مشترك = 14 ألف دولار، 10 ملايين مشترك = 140 ألف دولار).
الجدير بالذكر أن يوتيوب أطلقت أخيراً نسخة خاصة من موقعها وتطبيقها تسمى يوتيوب ريد خالية من الإعلانات باشتراك شهري يبلغ 10 دولارات تقتسمه مع شركائها من اليوتيوبرز. لكن هل اكتفى اليوتيوبرز بإعلانات قوقل؟ لا. بل بحثوا عن وسائل أخرى لزيادة غلتهم من الأرباح.
أما ثاني المصادر، هو الإعلانات الشخصية التي يقوم بها اليوتيوبرز بالتسويق لمنتج ما عند بداية أو منتصف أو نهاية فيديوهاتهم. وغالبية المنتجات التي يعلن عنها اليوتيوبرز وينصحون مشتركيهم باقتنائها ذات علاقة وثيقة باهتمامات قنواتهم. ويتلقى اليوتيوبرز من ذلك الإعلان إما مبالغ مقطوعة تتخطى حاجز 500 دولار في كل فيديو أو نسبة أرباح بالاعتماد على المبيعات التي تأتي من الرابط الخاص باليوتيوبرز أو عن طريق استخدام الكوبون الخاص بهم.
فيما المصدر الثالث فهو برنامج المشاركة التسويقي. فعندما يقوم أحد اليوتيوبرز بمراجعة منتج ما كهاتف جديد أو فرشاة للمكياج أو لعبة فيديو، يقوم بوضع رابط لشراء ذلك المنتج من مواقع أمازون أو أيبي أو غيرها من مواقع الأسواق الإلكترونية في الوصف الخاص بالفيديو. وعندما يقوم المشاهد بالضغط على الرابط وشراء المنتج يحصل اليوتيوبرز على نسبة مئوية من قيمة المنتج كـ «عمولة». وتتراوح تلك النسبة بحسب عدد المنتجات التي بيعت عن طريقك في شهر ما، 5 منتجات أو أقل في الشهر تدر على اليوتيوبرز نسبة 4 % لكن النسبة ترتفع بحسب زيادة المنتجات فبيع 100 منتج بالشهر يعود بنسبة ربحية تصل إلى 7 %. أي أن بيع منتج واحد بقيمة 100 دولار يمكن اليوتيوبرز من كسب عمولة لا تقل عن 4 دولارات وبشكل مباشر. تخيل كم يجني اليوتيوبرز الذين يتجاوز عدد مشتركيهم مليون مشترك؟ لا توجد إحصاءات موثوقة عن نسبة الأرباح التي يجنيها اليوتيوبرز من برنامج المشاركة التسويقي، لكن الأكيد أن النسبة تزايدت في السنوات الأخيرة بزيادة حصة التجارة الإلكترونية. شخصياً أتوقع أن يعتلي هذا المصدر قمة المصادر الربحية في السنوات القادمة، فقنوات اليوتيوب وخاصة التقنية والتجميلية منها أضحت اليوم مجرد قنوات إعلانية مفضوحة تنقب الأسواق الإلكترونية بحثاً عن منتجات قيمة تغري المشاهد نحو الشراء. المثير أن اليوتيوبرز يربحون من تلك الطريقة حتى لو لم يقم المشاهد بشراء المنتج مباشرة، يكفي فقط أن يضعه في سلة المشتريات أو الأمنيات، وإن عاد لشراء المنتج خلال 90 يوماً يحصل اليوتيوبر على تلك النسبة.
بينما رابع المصادر فهو الظهور أو الرعاية الإعلامية عبر حضور اليوتيوبرز لحفل إطلاق المنتجات التي تطلقها الشركات أو الفروع الجديدة التي يتم افتتاحها وإن كان محظوظاً بما فيه الكفاية، يمكن أن تستقطبه القنوات التلفزيونية لتقديم برنامج خاص، أو أن تشتري شركته الإعلامية كما فعلت شركة ديزني مع شاي كارل الذي يعد أنجح اليوتيوبرز في التاريخ، حيث قبض نصف مليار دولار من بيع استديوهات ماركر لديزني عام 2014.
وآخر المصادر هو «الباترون» أو النصير أو الأنصار، ويعتمد على نظام الأنصار قلة من مخضرمي اليوتيوبرز ممن فاتهم قطار الزمن ولم يتمكنوا من تطوير قنواتهم لمواكبة التغييرات في المحتوى الرقمي، ببساطة يتبرع المشترك بمبلغ شهري ليحصل على امتياز مشاهدة جميع الفيديوهات الخاصة باليوتيوبرز والتي لا يشاهدها العامة أو يشاهدونها بعد فترة طويلة من نشرها بشكل حصري للباترونز. ويعد هذا المصدر ضعيفاً جداً بالمقارنة مع المصادر الأخرى. وشخصياً أرى أن من يتبعه ضعيفاً لا يريد الاعتماد على نفسه لتوليد مصادر دخل كغيره من اليوتيوبرز المبالغ التي يحصدها اليوتيوبرز من نظام الباترونزلا تتجاوز 2 - 5 آلاف دولار شهرياً وهو ما يمكن أن يحصل عليه غيرهم في فيديو واحد ذي قيمة عالية.
هذا، وتتنوع مصادر الدخل الأخرى من بيع المنتجات الشخصية الخاصة كالقمصان أو الأكواب أو البوسترات أو حتى تقديم الاستشارات الإعلامية أو ربما تبرعات صغيرة تبدأ بدولار وترتفع على حسب كرم وإعجاب المتبرع / المشاهد.
الشاب السويدي فيلكسكجيلبيرغاو بيويدايوالذي يملك أكبر قناة في اليوتيوب متخصصة بالألعاب الإلكترونية وبرقم مشتركين يقترب من الـ 43 مليوناً حصد في عام 2015 فقط مبلغاً تجاوز عتبة الـ 13 مليون دولار. زملاؤه الآخرون من أصحاب 30- 20- 10 ملايين مشترك حصلوا على مبالغ تتراوح من 7 ملايين دولار إلى مليوني دولار فقط.
اليوتيوبرز السعوديون
أما اليوتيوبرز السعوديون فلم يصلوا حتى لعشر تلك المبالغ بسبب اعتمادهم على إعلانات اليوتيوبو التي تُدفع فيها مبالغ صغيرة مقارنة مع الإعلانات التي تظهر في أمريكا والدول الغربية أو إعلانات لمواقع عربية يُدفع بها مبالغ بخسة. عموماً، لا تتجاوز أرباحهم السنوية مبلغ المليون ريال، ولهذا اتجه كثير منهم إلى القنوات التلفزيونية وبالأخص مجموعة mbc للحصول على دخل شهري ثابت. أما القنوات اليوتيوبية السعودية المتبقية فتنحصر في (إذا ما تم استثناء قنوات صاحي وسين وآراموايش الليوميركوتولايكثر والقنوات التقنية) مقاطع الألعاب الإلكترونية والتحديات الكوميدية الهزلية ولا توجد كيانات رسمية مؤسسية، بل مجرد محاولات شبابية لا يعرف مدى قدرتها على الاستمرار والتطور، وليحصل اليوتيوبرز السعوديون على ملايين الدولارات شهرياً كنظرائهم العالميين، يجب أن تتحول قنواتهم إلى شركات رسمية وتنضج أعمالهم وتتجاوز عتبة الهواية.
اليوتيوبر أصبح مهنة قادرة على در أموال لا يجنيها وزير دولة، واليوتيوب تحول إلى صناعة إعلامية تتجاوز مشاهدات قنواته قنوات دول. فاليوتيوب هو مكتبة العالم المرئية وأكثر المواقع زيارة بالعالم (بعد محرك قوقل). هذا هو زمن اليوتيوب.