قد تضطرنا ظروف الحياة لأن نعاني من انعدام الرؤية الصحيحة للقادم بسبب الضغوط التي نعانيها في الحاضر، وهذا الأمر لا علاقة له بفقدان السيطرة، وضعف الشخصية.
إنما هي حالة تصيب كل الناس بلا استثناء حتى علماء (النفس) وعلماء (الاجتماع) المنظرين متى ما تعرضوا لضغوط الحياة انعدمت الرؤية السوية عندهم للأمور أو انخفضت جودتها.
هذا الأمر جزء من بشرية البشر مهما كانوا مُنَظّمين ومطورين للذات.
ولعل المرأة تعاني هذا الأمر أكثر من الرجل، كونها مسؤولة عن تفاصيل دقيقة في البيت والحياة الاجتماعية قد تؤثر عليها عمليا -أحيانا- إذا لم تنقذ نفسها من الغرق في الظروف.
إحداهن تقول: خسرت كثيرًا في حياتي الاجتماعية تحت وطأة البحث، كنت أم سيئة، وزوجة سيئة، حتى ظننت بأنني في الأصل إنسانة سيئة. فقدت سلامي الداخلي، وصرت على أهبة الاستفزاز، سهلة المنال لكل نائبة عابرة، أعصابي تسبق دموعي في الانهيار.
تفوتني تفاصيل جميلة في الحياة، قليلة صبر، وكثيرة عصبية، لكنني بمجرد أن ناقشت رسالتي، وحصلت على الدرجة العلمية؛ اتسعت رؤيتي الضيقة للحياة والناس، وعدت لأصلي الجميل، وعوضت كل ما كدت أن أخسره نهائيا.
تقول: من وقتها عرفت أنني لم أكن أتخلص من ضبابية الرؤية أولاً بأول، كنت أسير في الضباب فأتعثر مرة، وأسقط مرات.
لا أعرف كيف أقول (لا) لرئيستي، أو حتى زميلاتي اللاتي ينسين أنني مضغوطة، ويتذكرن فقط أنني لا أرد لهن طلبا.
هذه القصة بشكل أو بآخر تحدث لنا كلما صرنا مطالبين بأكثر مما نستطيع.
مؤخرا الكل مستفز ومشغول، والحياة لا تسير ببطء، حتى أننا يمكننا أن نقول: إن كلّ خمس سنوات بقرن.
أمام كلّ هذه الضغوط -وببشريتنا الضعيفة- لا نملك إلا أن نحمل الأعباء ونشكو!
كل هذا فقط؛ لأننا رأينا الضباب، ولم نتوقف حتى ينقشع، بل أكملنا المسير في الطريق بتعثر، وبمكابدة قبل أن نسهم في تسريع وضوح الرؤية.
نصحتني إحدى أستاذاتي ذات مرة، عندما رأتْ حجم الشتات الذي كنت أعيشه بأن أمسك ورقة وقلما وأرسم خريطة ذهنية لمتاعبي أو ما يشغل بالي، ثم أضع تساؤلاتي وأجيب حتى أخفف من درجة الضباب الذهني الذي أعيش.
يومها كنت قد وافقت على مطالب كثيرة، وأعطيت وعودا أكثر، كانت في وقت موافقتي عليها سهلة ويسيرة لكنني تفاجأت بردة فعل عقلي الباطن الذي بدأ يشعرني بأنني مطالبة بالكثير والوقت ضيق فتشوشت وتضايقت.
نفذتُ وصية أستاذتي فأحضرت ورقة وقلمًا ووضعت الشكوى التي أعانيها في تلك الحظة في دائرة وكانت (مطالب كثيرة في وقت قصير) وصرت أخرج من هذه الدائرة خطوطا على شكل الشمس وأشعتها وأكتب كل ما هو مطلوب مني، وجدت أن معظم ما وافقت عليه أمور بسيطة، لا تعدو كونها هامشا في تصنيف الطلبات، فهي لا تتطلب مني إلا اتصالا، أو ردا برسالة، أو إرسال رقم هاتف.
بدأت أنفذ الأمور اليسيرة، وأجيب عن بعض التساؤلات التي اكتشفت أن معي وقتا كافيا لفعلها بعد مدة، فرتبت أولوياتي، ووضعت جدولي، وعاد توازني لنفسي وشعرتُ بنعمة الراحة.
نحن البشر رغم كلّ ما فينا من قوة، وجبروت كفيلة بإعمار كلّ شيء وهدمه، إلا أننا ضعفاء أمام أمور هشة، نحتاج إلى إعادة تهيئة، ونقطة نظام من حين لآخر.
- زكية العتيبي