عماد المديفر
اتصل بي زميلي الأستاذ حمد الجبرين عضو مجلس جائزة الشيخ محمد بن سليمان بن جبرين للتفوق العلمي بالقويعية يخبرني عن النبأ الأليم.. ويصف فاجعة الأهالي لحظة سماعهم عن اغتيال الشهيد العقيد/ كتاب بن ماجد الحمادي العتيبي
مدير مباحث القويعية.. الذي يحظى بمحبة وتقدير أهالي القويعية جميعاً.. وقد كان -يرحمه الله- أبرز المدعوين لحضور حفل توزيع الجائزة، وأكد حضوره قبيل الحفل بسويعات، بيد أن يد الغدر والخيانة والتكفير طالته في هذه الأثناء.. فاقترح بعض القائمين على الجائزة إلغاء الحفل.. إلا أن رئيس مجلس الجائزة الشيخ عبدالله ابن جبرين رأى ضرورة أن تقام الجائزة في موعدها المقرر، وألا يُعطى للخونة المجرمين ولا النزر اليسير مما يريدون.. وأصر أن يبقى مكان الشهيد في الحفل كما هو محجوزاً باسمه، حباً وتقديراً وعرفاناً من أهالي وحمايل القويعية للشهيد البطل الذي اقتضت مشيئة الله وحكمته ألا يكون معهم في ذلك اليوم.. فلا راد لقضائه.. ولا معقب لحكمه.. ولكل أجل كتاب.. فالحمد لله على كل حال.
كل نفس ذائقة الموت لا محالة.. إلا أن فضل الشهادة في سبيل الله، حمايةً لدين الله، وتحقيقاً للأمن والأمان في هذا البلد الطيب المبارك الطاهر.. منبع الرسالة.. ومهد العروبة.. وحصن الإسلام الحصين.. وقبلة المسلمين.. تجعلنا نغبط الشهيد.. فما أعظم فضل الشهادة في سبيل الدين والوطن.. وخصوصاً على يد هؤلاء الخوارج الذين أخبرنا عنهم رسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام، واصفاً إياهم بـ: «كلاب النار.. شر قتلى قُتِلوا تحت أديم السماء، وخير قتلى قُتِلوا تحت أديم السماء الذين قتلهم هؤلاء».. ويقول بأبي هو وأمي صلوات ربي وسلامه عليه: «يخرج في آخر الزمان قوم أحداث الأسنان سفهاء الأحلام يقولون من خير قول الناس يقرأون القرآن لا يجاوز تراقيهم يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية فمن لقيهم فليقتلهم، فإن قتلهم أجرٌ عند الله لمن قتلهم».. وفي رواية: «هم شر الخلق والخليقة.. طوبى لمن قتلهم وقتلوه.. يدعون إلى كتاب الله وليسوا منه في شيء».. فطوبى لسعادة العقيد كتاب بن ماجد الحمادي، ولزملائه الذين سبقوه في نيل الشهادة، ولمن سيلحق بهم من رجالنا الأبطال الأشاوس.. الذين يصدق فيهم قول الحق تبارك تعالى: «من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليهم فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا».
لكن ما يجدر تسليط الضوء عليه، والتوقف عنده ملياً بحزم ودون تردد أو مجاملات.. لأن من نفقدهم هم من خيرة رجالات هذا الوطن، ولأن المستهدف ليس مدير مباحث القويعية فحسب.. بل الوطن بأسره..
لذلك كله أقول إن هذا الشاب السعودي الخارجي التكفيري المتهم بقتل العقيد.. ليس هو الجاني وحده.. ولا ينبغي علينا أن نتهمه وحده.. بل ومن الخطأ ذلك.. فقد تلقيت أيضاً اتصالاً من قريب له يخبرني بحسرة بأن هذا الإرهابي المتهم كان ممن خالف وعصى توجيهات ولي الأمر، وخرج عن طاعته متجهاً إلى مواطن القتال في سوريا، في وقت كانت الدعوات تخرج من دعاة يسميهم البعض بـ»العلماء».. دعوات ملؤها التحريض على الخروج إلى سوريا.. يقول: يفتون شباب هذا الوطن بأن «الذي يتقن شيئاً ينفع إخوانه المجاهدين (يقصد المقاتلين في سوريا) لا تبرئ ذمته إلا بالذهاب»!..
يقول: «ومعلوم أن الجيش السوري الحر لا يقبل المقاتلين الأجانب، إذن هم يريدون أبناءنا أن يلتحقوا بجبهة النصرة وتنظيم داعش.. فهما التنظيمان اللذان يرحبان بانضمام غير السوريين»..! ثم أرسل لي مقطع فيديو الخطبة شهيرة لداعية شهير في مصر.. بثتها عدة قنوات تلفزيونية يقول فيها إنه يستنهض «أهل المملكة بلاد الحرمين الشريفين لينهضوا لنصرة إخوانهم».. وأنه «اجتمع مئات العلماء الذين ينتسبون إلى أكثر من سبعين هيئة ومنظمة حضروا من خمسين دولة (..) ليناقشوا القضية السورية.. وخرج العلماء البارحة ببيان أعلنوا فيه وجوب الجهاد في سبيل الله».. وأصوات التكبير تعلو في أركان هذا الجامع الكبير، وعبر الأثير!
ثم يخرج هذا الداعية في لقاء له عبر قناة «الجزيرة» ليقول إن ولاة الأمر لم يعد في يدهم تقرير الجهاد من عدمه، وأن الأمر أصبح في يد من يسميهم بـ»العلماء».. يقول: «الحالة في سوريا لما قصر فيها السياسيون، بدأت تخرج من قبضتهم، أصبح العلماء هم الذين يوجهون فيها، وبالتالي اليوم أُعلن النفير العام للجهاد في سبيل الله»..
وحين قال سماحة الوالد الشيخ الدكتور صالح الفوزان
-حفظه الله- عضو هيئة كبار العلماء بأن ما يحدث في سوريا فتنة، وأنه لا ينبغي الخروج لمواطن الفتن.. وأصدرت الدولة توجيهاتها بتجريم من يذهب إلى مواطن القتال والفتن.. خرج أيضاً أحد «الدعاة» الذي يسميه البعض بـ»العالم» ليقول في لقاء تلفزيوني مع طارق السويدان حين سأله عن ذلك ليرد بأن: «الذين يقولون إن هذا الذي يجري من قتل وذبح وسحل وتدمير وتشريد وتعذيب إخوانهم المسلمين في بلاد الشام.فتنة. أقول ألا في الفتنة سقطوا.. والله الذي لا إله إلا هو إن الفتنة هو أن يعرض المسلم عن القيام بما أوجب الله عليه، والله يسأله عن نصرته لإخوانه، والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض والولاء هو الحب والنُصرة فأين المحبة وأين النصرة؟ والأمر الآخر.. أن مثل هذا العمل إذا لم يبرهن الإنسان إيمانه فيه فقل لي بربك متى يستطيع الإنسان أن يظهر بما ينبغي له ويبرز حق إخوانه عليه..» ثم يحرف بيت شعر شهير لأحمد شوقي، ليحشر فيه لفظة «الخلافة».. فيقول: «دمشق ألست للإسلام ظئرا.. ومرضعة الخلافة لا تعق»! وأصل الشطر «ومرضعة الأبوة لا تعق»..!
إلى أن قال: «حتى تيأس القلوب من هيئة الأمم.. وتيأس النفوس من مجلس الأمن، وتيأس الأرواح من الحكام والشعوب ولا يبقى الأمل إلا في الله.. أفحسبتم أن تدخلوا الجنة ولمّا يعلم الله الذين جاهدوا منكم»..
يقول صديقي: «لقد ذهب إلى سوريا.. وانضم لداعش.. وبايع خليفتهم المزعوم.. الذي أمره بأن يترك سوريا ويعود للمملكة لينفذ جريمته بقريبه العقيد.. فهل هو المتهم وحده؟».
الغريب أن أحد أعضاء هيئة كبار العلماء خرج في برنامج تلفزيوني للإفتاء ووصف هؤلاء الأشخاص الذين نقلت أقوالهم أعلاه نصاً.. وصفهم بأنه «علماء» وما يعلم عنهم إلا خيراً.. بل وصف من يحذر من أقوالهم ويكشف عوارهم بأنهم «فئران»! هكذا.. وعلى الهواء مباشرة.. فمن المتهم؟ وأين الخلل؟
.. إلى اللقاء.