تحقيق - محمد المرزوقي:
بحثاً عن «تسويق» الكتاب، كان ولا بد أن يسلك المؤلف والناشر - معاً- مختلف السبل، وصولاً إلى «إقناع» القارئ، باقتناء الكتاب، إلا أن «العنوان التجاري» وضع المؤلف بين سندان «سطوة» الناشر، ومطرقة «التسويق» ليجعل من العناوين التجارية ظاهرة شائعة.. شاسعة، اتسعت باتساع بحث الناشرين عن الربحية، الأمر الذي يعكس مدى شيوع تدخل الناشرين في وضع عناوين الكتب، دونما التفات إلى رغبة المؤلفين، أو أهمية العناوين بوصفها عتبات لـ»متون» الكتب، حيث تستطلع «الثقافية» جوانب هذه الظاهرة.. وأبعادها سلباً كانت أو إيجاباً.
يقول أبو المعاطي الرمادي: العنوان «التجاري» يقصد به بعض النقاد العنوان الجاذب للنظر، الذي يحفز القارئ على الاقتناء، لكن القارئ عادة ما يجد - أيضاً- أن عنوان الكتاب بعيداً عن دلالة العنوان، ليظل العنوان التجاري بنسب متباينة ومتفاوتة بين الاقتراب والابتعاد عن مضمون الكتاب.
أما عن موقف الناقد من شيوع مثل هذه العناوين - التجارية - فيضيف الرمادي قوله: أرى أن من مسؤولية الناقد الكشف عن العنوان الذي لا بد أن يكون محكماً، لكون العنوان هو العتبة الأساسية التي يدخل منها القارئ والناقد - أيضاً - إلى القراء النقدية، فلا نكاد نجد من يخالف مقولة: «العنوان العتبة إلى المتن» الأمر الذي يجعل من العنوان منطلقاً رئيساً وباباً نلج منه إلى مضامين الكتب، إذ لا بد أن يكون العنوان محتملاً على الأقل.
وبما أن العنوان له وظائفه المحفزة للقارئ والناقد بوصفه قارئاً - أيضاً - يقول الرمادي: عندما نقرأ عنواناً ما، فهو يضعنا أمام مجموعة من التوقعات، فإذا لم أجد ما كنت أتوقعه في العنوان، فهذا مما يعني عوار العنوان، ونقصه، مردفاً قوله: مع وجود هذا العيب في العنوان، إلا أن لدي علم كغيري من النقاد بتدخل الناشرين في عناوين الكتب لجذب الانتباه وتحقيق الربح، إلا أن الاتجاه إلى عناوين تجارية لا تمت إلى متون الكتب بصلة مما يضر بالكتاب.
أما عن الوعي النقدي بقطبي هذه القضية «العنوان التجاري» و»العتبات» ودور النقد للتصدي لهذه الظاهرة، يقول الدكتور محمد الكحلاوي، معلقاً على هذا الجانب: لقد استطاع النقد الأدبي والنقد المعاصر أن يعي هذه الظاهرة الكتابية، من خلال البحث التنظيري في قضية «العتبات» أو «الحواشي» أو «مصاحبات النص» ذلك أن العنوان هو المدخل وهو العتبة إلى متن النص، وهو الذي يشد اهتمام القارئ.
وفيما يتصل بظاهرة العناوين التجارية، وامتدادها عبر العناوين «المخاتلة» بوصفها عناوين قاب قوسين من متون النصوص، يصف الكحلاوي هذا الامتداد بأنه قديم في ثقافتنا العربية، إلا أن هذا القدم لم يكن يتجاوز «المخاتل» إلى «التجاري» كما هو شائع في المؤلفات اليوم، التي يسعى من خلالها الناشرون إلى ما يشبه فرض الآراء بحثاً عن الربحية، وإقناعاً للمؤلف بتسويق منتجه.
ويضيف الكحلاوي في هذا السياق قوله: العناوين التجارية الشائعة اليوم ما هي إلا بمثابة ما يمكن التجوز في تسميته بفن إغراء ومخاتلة القارئ، وشد اهتمامه لإقناعه باقتناء الكتاب، الذي قد يدخل عبر هذه المخاتلة إلى مفارقة «سالبة» تجاه الكتاب نفسه، مما يخرج هذه المخاتلة من إطار هذه الرؤية إلى الوقوع أمام رفض القارئ والناقد معاً، الأمر الذي يتحول معه القارئ إلى صاحب دور «رافض» يصحبه دور الناقد الذي يكشف وصفة اللعبة التي لا بد وأن يعيدها النقد بدوره إلى نصابها النص في مقابل العتبات التي يعد أولها العنوان.
وعن مدى وجود حدود فاصلة بين الالتزام في العناوين بوصفها عتبات، وبين ما يمكن معه مخاتلة النصوص، قال الكحلاوي: الكتابة سواء كانت أدبية أو فكراً أو غيرهما، لا يمكن أن تتقيد بالضرورة بالشروط المنهجية الدقيقة لكونها في النهاية تجريب وفن، والكاتب أشبه بالحر في تناوله، إلا أن دور القارئ «الواعي» والناقد «الحقيقي» بعد ذلك كفيلان بأن يضعا تلك العتبات في سياقها الطبعي من حيث كونهما يعكسان التلقي لتلك العتبات.
أما صاحب (دار المفردات) للنشر عبدالرحيم الأحمدي، فقد وصف وجود العنوان التجاري بالتفاوت بين دار نشر وأخرى، مشيراً إلى أنه غالباً لا يمكن التسليم بتدخل الناشرين في عناوين الكتب بالمفهوم الذي يجعل من الناشر صاحب سلطة مطلقة وقرار أحادي في رفض عنوان أو فرض آخر على المؤلفين، إلا أن هناك تغييراً من قبيل تسويق الكتاب لما هو أفضل، بما يكفله عقد الطباعة والنشر بين المؤلف والناشر، الأمر الذي يجعل من المؤلف صاحب القرار في أي تغيير قد يتم على عنوان كتابه.