عماد المديفر
ضجَّت وسائل التواصل الاجتماعي، وكتب بعض الكتاب، وتحدث عدد من الإعلاميين حول فواتير المياه التي صدرت الشهر الماضي بحسب التعرفة الجديدة.. وجرى استضافة معالي وزير المياه في عدد من القنوات التلفزيونية، حتى إنه دعا عدداً من الإعلاميين للقاء موسع..
لقد نجح معالي الوزير في أن تكون المياه قضية رأي عام.. وفي أعلى سلم النقاش المجتمعي.. وأن تستفز المواطنين جميعاً.. فما لم نستفز اليوم.. ونتنبه لهذه المشكلة.. فسنندم غداً، ولات ساعة مندم!
لقد آثرت التأخر في طرح الموضوع لأرصد أبرز الآراء ووجهات النظر الشعبية أو تلك التي روج لها عدد من كتاب الرأي والإعلاميين، سواء عبر وسائل الإعلام التقليدي، أو الجديد.. ووجدت أن أبرز ما تم طرحه تمحور حول نقاط محددة، كشفت للأسف عن تعاطٍ سطحي مليء بالمغالطات.. أُجملها بالآتي:
«أن التعرفة الجديدة مرتفعة جداً.
«أن معدل استهلاك الفرد الذي أعلنته وزارة المياه غير صحيح، ومبالغ فيه، وأنه أدخل فيه الاستهلاك الزراعي والصناعي، ثم عاد بعضهم بعد أن تم تبيان خطأ ما ذهب إليه، ليقول إنه جرى إدخال مصارف المياه لدى الجهات الحكومية والتجارية والورش والمستشفيات والبلديات ضمن استهلاك الفرد.. وبالتالي يَستنتج هو أنه وبالتسعيرة الجديدة، تم تحميل المواطن تبعة ذلك!..
«أن معالي الوزير ركز على «السيفون».. وترك «لب» المشكلة! طبعاً أصحاب هذا الرأي استدعوه من باب التهكم والسخرية..!
من السهل جداً أن أساير هذه الآراء.. واستجدي عواطف الجماهير، ولأبحث عن شعبية من خلال دغدغة المشاعر.. فأردد: «ما هذه الفواتير الغالية التي تستنزف دخل المواطن.. الوزارة تتخبط.. شركة المياه تستقوي على المواطنين وتهددهم إما بالدفع أو قطع المياه.. الوزير لا يفرق بين الكماليات والأساسيات.. ويهرب من مسؤولياته ملقياً باللائمة على (السيفون)»!
لكن ذلك ما لم ولن يرضي المواطن الواعي، الذي يحرص على تناول هذه القضية بموضوعية؛ ليتعرف على حقيقة ما يجري.. خاصة وأنه بين أمرين يراهما ولا يجد البعض تفسيراً لهما.. الأمر الأول: تضاعف قيمة فاتورة المياه.. والثاني: هذه الأقوال المضللة التي يرددها البعض والتي أوردتها أعلاه.
فأقول مستعيناً بالله، أن التعرفة الجديدة بالفعل مرتفعة جداً مقارنة بما كانت عليه في السابق؛ كوننا كنا نستهلك المياه في الواقع بـ»المجان» تقريباً.. إلا أن الحقيقة تقول بأن التعرفة الجديدة أيضاً أبقت تكلفة استهلاك المواطن للمياه «مجانية» وبما لا يتجاوز (3 ريال في الشهر) ضمن نطاق معدل الاستهلاك المقرر دولياً للفرد من قبل منظمة الصحة العالمية (الشريحة الأولى ضمن التعرفة الجديدة)، وأن من يستهلك المياه ضمن نطاق معدل استهلاك الفرد في المملكة (وهي الشريحة الثالثة ضمن التعرفة الجديدة) فإن فاتورته لن تتجاوز 92 ريالاً بالشهر.. وهي وبعد اطلاعي على تعرفة المياه في الدول الأخرى في العالم.. وجدتها الأقل والأرخص والأدنى على الإطلاق.
أما من يسرف، ويتجاوز استهلاكه الشرائح الثلاث الأُول.. فإن فاتورته لا شك ستتضاعف.. كونه يسهم بشكل مباشر في هدر ثورتنا المائية.. ما يهدد أمننا المائي.. وبالتالي مستقبلنا ومستقل الأجيال القادمة. وقد أظهر جدول الفواتير الصادر من وزارة المياه للشهر الماضي أن 61 % منها لم تتجاوز 92 ريالاً في الشهر.. وأن ربع المنازل فقط هي من تجاوزت فواتيرهم 182 ريالاً شهرياً، إلى الشرائح الأعلى.
أما من يقول بأن معدل استهلاك الفرد في المملكة، والذي أعلنته الوزارة، هو معدل مبالغ فيه.. وأنه ادخل فيه ما ليس من استهلاك الفرد في منزله، فأقول إنه وعلى افتراض صحة قوله، فإن هذا الأمر ينعكس بشكل إيجابي على تسعيرة الفواتير.. وانخفاض التعرفة.. وليس بالأمر السلبي إطلاقاً!
حيث اعتبرت التعرفة الجديدة أن من يستهلك المياه ضمن نطاق هذا المعدل - والذي يصفه بعض الكتاب بالمبالغ فيه- فإنه يرفع من السقف المقبول لاستهلاكنا داخل المنازل، ليبقى ضمن الشريحة الثالثة والتي لا تتجاوز كما أسلفت (92) ريالاً بالشهر.. وهذا ليس بالمثلبة.. وهو ما يثبت تخبط صاحب هذا الرأي وعدم صحة استنتاجاته حين ادعى بأن المواطن بهذه الحسبة سيتحمل تكاليف استهلاك المياه في المرافق التجارية والعامة!. أما من ذهب للتهكم.. والحديث عن «السيفون» فإن الدراسات العلمية أثبتت أن «السيفون» بالفعل هو أكثر مصدر استهلاك للمياه داخل المنازل.. وهذه نتيجة علمية..
طبعاً كتاباً آخرين مخضرمين أخذوا الموضوع بمنحى أكثر عمقاً وتناولوا أهمية ترشيد استهلاك المياه، وحفظ النعمة، لاسيما وأننا نعتبر من أكثر دول العالم فقرا في مصادر المياه، ومن أكثرها استهلاكا، لذا فقد عملت حكومتنا الرشيدة، أعزها الله، خلال العقود القليلة الماضية، على تنمية مصادر المياه التقليدية والمياه السطحية والجوفية والمصادر غير التقليدية مثل مياه التحلية ومياه الصرف الصحي المعالجة، وبذلت جهوداً كبيرة في سبيل ذلك.. كبناء السدود والدراسات الجيولوجية اللازمة لتنمية المياه الجوفية وحفر آلاف الآبار لمياه الشرب في جميع أنحاء المملكة، وبناء العديد من محطات التحلية وخطوط أنابيب نقل المياه وشبكاتها داخل المدن ومشاريع الصرف الصحي من خطوط تجميع ومحطات التنقية بشتى أنواعها. إن الإحصائيات العلمية تشير بوضوح أننا نتأتي بالمرتبة الثالثة عالميا في استهلاك الفرد للمياه، بعد الولايات المتحدة وكندا، حيث يصل استهلاك الفرد بالمملكة إلى 300 لتر يوميا تقريباً. كما أن هناك طلب على المياه في المملكة وبشكل متزايد ومضطرد نتيجة للنمو السكاني الذي يقدر بـ 3 % سنويا حيث يتوقع أن يكون عدد سكان المملكة في 2024م 41 مليون نسمة..
ورغم أن هناك جهودا حثيثة تبذلها الجهات المختصة بالوصول إلى حد الأمان المائي إلا أن العادات السيئة في استهلاك المياه وعدم الوعي يقفان حجر عثرة أمام كل المساعي والحلول، فنجد أن مؤشرات استهلاك الفرد للماء متزايدة رغم حملات التوعية المنتشرة على جميع المستويات. وبالتالي فإن عملية رفع تسعيرة استهلاك المياه، وفق نظام الشرائح الذكية.. هو بالفعل ما نحتاج إليه في هذه المرحلة لضبط الوضع، والحفاظ على نعمة رب العالمين وشكرها.. وأن لا نسرف ونكفر بالنعمة.. {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ. وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ}.