محمد سليمان العنقري
تجاوب المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية السريع بإصدار بيان توضيحي على تساؤلات وردة فعل المجتمع عموما حول تصريحها بانها تعيد التظر بنظام التقاعد المبكر خطوة جيدة وتفاعل ايجابي مع المشتركين الا أن ما ورد فيه يستحق الوقوف عنده والتأمل فيه والعودة لبعض الارقام والمعلومات التي تضيف الكثير من الاستنتاجات والايضاحات المهمة.
فقد ذكر فيه ان المؤسسة جهة تنفيذية وليست تشريعية، وأن ما ذكر حول التقاعد المبكر انما جاء في تقريرها السنوي من مبدأ الشفافية وايضاح المخاطر ، بداية التصريح حول التقاعد المبكر جاء على لسان مساعد المحافظ للشؤون التأمينية وهو من الجهاز التنفيذي وكونه ذكر بأن المؤسسة تعيد النظر فيه؛ فهذا يعني تدخل بجزء من العمل التشريعي وهو يتناقض ولو ظاهريا من حيث الفهم للفرق بين التنفيذ والتشريع، ويعني ان للمؤسسة دورا بالتشريع وهو ما يحتاج لايضاح اكثر من المؤسسة عن دورها بمراجعة الانظمة وتشريعها او تنفيذها، ومن هي الجهة التي تفتح الباب على اعادة النظر بأنظمة التقاعد بنظامها؟ أما مبدأ الشفافية بتقاريرها فمعروف ان جميع الجهات والشركات تذكر بتقاريرها او بقوائمها المخاطر المحتملة لكنها لا تركز عليها بتصريحات منفردة الا اذا كانت فعلا تنوي القيام بعمل ما لمواجهتها.
كما تقول المؤسسة ببيانها إن 34.2% من المتقاعدين هم على نظام التقاعد المبكر اي 104 آلاف متقاعد من اصل حوالي 307 الاف هم مجموع متقاعدي نظام التامينات بينما يشكل متقاعدو المبكر 6% من اجمالي المشتركين من المواطنين البالغ عددهم 1.7 مليون مشترك أي ان الكثير من المشتركين لا يبحثون عن التقاعد المبكر لكنه يبقى خيارا مهما يجب المحافظة عليه فجميع المتقاعدين يشكلون 18% لاجمالي المواطنين المشتركين، أما بالقياس على اجمالي مشتركي التامينات من المواطنين والوافدين البالغ عددهم 9.9 مليون فإن متقاعدي المبكر نسبتهم1% وجميع المتقاعدين نسبتهم 3% وفي ما يخص الرواتب التقاعدية البالغة قرابة 1.4 مليار شهريا فإن حوالي 63% حسب البيان رواتب التقاعد المبكر أي 882 مليون شهريا وحوالي 10مليارات ريال سنويا وهي تعادل 44% من ايرادات استقطاعات الاشتراكات السنوية فقط أي لا يدخل بها عوائد الاستثمارات بينما تبلغ عوائدهم من 9 شركات من اصل اكثر من 30 شركة تظهر ملكية المؤسسة فيها بالسوق المالي حوالي 3 مليارات ريال اي تغطي 30% من اجمالي رواتب التقاعد المبكر اما متوسط الرواتب التي تدفعها المؤسسة للمتقاعدين فهو حوالي 4500 ريال شهريا مما يدل على ان شريحة كبيرة من المتقاعدين رواتبهم متدنية فأين الزيادات التي تستوعب التضخم: أليس ذلك من مبادئ العمل على تحسين الوضع المعيشي للمتقاعد ويندرج تحت مفهوم التكافلية الذي تقوم على اساسه اعمال المؤسسة ؟ واين التغطية التامينية لعلاج المتقاعدين خصوصا ان جلهم بعمر يتجاوز 50 عاما أي أن عددا من افراد اسرتهم بالتاكيد اصبح مستقلا بمسؤولياته، وبالتالي يمكن عمل برنامج تأمين طبي مناسب وغير مكلف للمؤسسة، خصوصا ان لديها شركة طبية مدرجة بالسوق «رعاية» ولديها ملكيات بشركات تأمين ويمكنها اضافة هذه الميزة للمتقاعدين.
وبالمقارنة مع مؤسسة التقاعد المعنية بالقطاع العام فان ما تصرفه شهريا 4.250 مليار ريال كرواتب بمتوسط 6400 ريال على عدد 663 الف متقاعد وتفتقر لميز كثيرة عن التامينات الاجتماعية التي معدل استقطاعها أعلى، ويضاف لها انها تاخذ 2% اخطار مهنية على رواتب الوافدين البالغ عددهم بسجلاتها 8.2 مليون وافد وبايراد سنوي يزيد عن 3 مليارات ريال، كما أن العاملين بالقطاع الخاص عرضة للانهاك والتعب نتيجة تنوع اعمالهم وقربها من الميدانية والتشغيلية كالقطاعات الصناعية او في اعمال الصيانة أكثر من العمل الحكومي بالقطاعات المدنية الذي تغلب عليه الطبيعة الادارية المكتبية.
فالمؤسسة بدأت عملها قبل 43 سنة، ويبلغ متوسط المشتركين الجدد فيها سنويا على مدار كل هذه الفترة حوالي 40 الف سنويا بينما متوسط المتقاعدين فلا يصل لأكثر من 7100 متقاعد سنويا اي حوالي 15% اما التقاعد المبكر فيبلغ متوسطهم على امتداد عمر المؤسسة حوالي 2400 متقاعد سنويا، ولكن اذا حسبنا المتوسط من عام 1422 هجرية تاريخ تعديل نظام التامينات فالمتوسط 6900 متقاعد مبكر وهي ايضا نسبة تعادل 17% من متوسط المشتركين الجدد على مدى عمر المؤسسة لكن بالسنوات الخمس الاخيرة بات متوسط المشتركين الجدد حوالي 100 الف سنويا حسب احصاءات وزارة العمل؛ أي ان نسبة من يتقاعدون مبكرا تعادل 6.9% قياسا بالخمسة عشر عاما التي تلت تعديل نظامها وعلى حساب متوسط الرواتب بالقطاع الخاص الذي يقارب 5000 ريال فإن متوسط الاستقطاع شهريا 1000 ريال أي ان الجدد يضيفون100 مليون ريال شهريا للمؤسسة بينما متوسط عدد المتقاعدين سنويا على مدى عمر المؤسسة 7200 متقاعد يصرف لهم بالمتوسط 32مليون ريال شهريا قياسا بمتوسط رواتب 4500 ريال للمتقاعد شهريا، وحتى مع اختصار الاحصاءات لآخر عشر سنوات فيبقى عدد المشتركين الجدد أعلى بكثير من المتقاعدين، وكذلك الاستقطاعات منهم أعلى مما يصرف للمتقاعدين الجدد سنويا فنسبة الاستقطاع لصالح التقاعد لا تقل عن متوسط النسب عالميا بل هي من الاعلى عند 22 % مع ساند بل قد لا تبتعد كثيرا عن ضريبة الدخل ببعض الدول المتقدمة الاعلى باقتطاع هذه الضريبة حتى لو كانت المقارنة مختلفة، يضاف لذلك ان المتقاعد لا يحصل على راتبه الاخير كاملا بل وفق معادلة مركبة على فترتين لمن هم مشتركون قبل عام 1422هجري ومعادلة جديدة لمن هم بعد هذا التاريخ ولا يصل نصيب المتقاعد الى اكثر من 62% من اخر راتب له و يضاف له بدل اعالة على حسب وضعه الاسري
اما ما صرفته المؤسسة منذ تأسيسها فبحسب تقريرها للعام 1435 هجرية بلغ 121 مليار ريال أي أن الاستقطاعات التي تصل الى 24 مليار ريال سنويا من المواطنين والوافدين حاليا تغطي هذا الرقم في خمسة اعوام واذا اضفنا ما صرف بالعام الماضي تقديريا عند 17 مليار ريال فيصبح اجمالي ما صرفته المؤسسة 138 مليار ومدة تغطية الاستقطاعات من الاشتراكات خمس سنوات وتسعة أشهر وتكون مدة تغطية كل ما صرفته المؤسسة منذ تأسيسها اقل عند اضافة عوائد الاستثمارات المختلفة والمتنوعة
كما أن الحسابات الاكتوارية التي تفترض عوامل معينة وهي بكل تاكيد لها اهميتها الكبرى بالتوقعات المستقبلية قدرت بان العام 2037م قد تواجه به المؤسسة عجزا حسب بيانات قبل 3 سنوات تقريبا، لكن هل كل العوامل التي استندت لها ثابتة ؟فلو اعيدت الدراسات حاليا واخذت بعين الاعتبار التحولات الاقتصادية التي سترفع من دور القطاع الخاص بالناتج المحلي وان 67% من المجتمع هم بعمر دون 29 عاما كثالث دولة بالعالم واعلى من المعدل العالمي عند 52% اي ان عدد الشباب حوالي 13 مليون نسمة، وبالطبع لا يمكن المقارنة مع مجتمعات كاليابان او بعض الدول الاوروبية التي ترتفع بها نسب من هم بسن الشيخوخة بشكل كبير بات مقلقا لدولهم ، فعند دخول هذه الشريحة الكبرى من شباب الوطن لسوق العمل خلال 15 عاما قادمة سيضيفون ملايين المشتركين للمؤسسة بافتراض اضافة 100 الف مشترك سنويا وهو امر اقل من التوقعات مقارنة مع مضامين برنامج التحول الوطني والخصخصة وتوسيع دور القطاع الخاص وحلول البطالة وتوليد الوظائف التي ستعمل على معالجة توسيع وتنويع القاعدة الانتاجية وزيادة المشاركة بالعمل التي تعد مشكلة يجب حلها، خصوصا ان الاقتصاد يضيف عددا كبيرا من الوظائف سنويا لكن جلها تذهب للوافدين وهو ما يتوقع أن يعالجه برنامج التحول الوطني.
أخيرا، ذكر بييان التأمينات الاجتماعية ما نصه « أن القفز إلى استنتاجات سريعة وغير دقيقة في مثل هذه الأمور يتسبب في إثارة البلبلة في أوساط المشتركين في نظام التأمينات بشكل خاص» ولا يمكن تفهم أن الاستنتاج يحدث بلبلة لأنه من المهارات العلمية و التفكر الناقد، والذي يبحث في قراءة المعطيات للخروج منها بنتائج ولم تكن التساؤلات وردود الفعل افتراضية فهي أتت بعد حديث المؤسسة عن اعادة النظر بالتقاعد المبكر، ولم تكن استباقية او تفترض أن ذلك قد يحدث من تلقاء نفسها اي بنيت على حديث من مصادر مسؤولة بالتامينات الاجتماعية فالمحصلة التي لا يختلف عليها احد ان الجميع يريد المصلحة العامة وجهود المؤسسة مقدرة، لكن ذلك يجب ان يكون على اسس دقيقة لا تفقد المشترك ميزة يطمح لها خصوصا ان «ربع قرن» من العمل ليس بالعمر القصير فالدولة استطاعت تحقيق انجاز كبير بفترة قياسية بتحسين مؤشر التنمية البشرية يسجل لها ووصل متوسط الاعمار بالمملكة حسب الاحصاءات الدولية الى 74 عاما لكن ذلك لا يعني ان يبقى الانسان يعمل حتى آخر حياته !