رقية الهويريني
حين كانت (زها محمد حديد) طفلة، قام والدها باصطحابها إلى معرض «فرانك لويد رايت» في دار الأوبرا في بغداد، وانبهرت وقتها بالأشكال الهندسية التي شاهدتها، حيث كان والداها شغوفين بما يختص بالعمار والإنشاءات، فوالدها أحد كبار القادة السياسيين ورجال الحركة الوطنية في العراق ثم أصبح وزيراً للمالية في وقت سابق.
أنهت زها دراستها العامة في بغداد ثم سويسرا، بعدها انتقلت إلى بيروت للدراسة في الجامعة الأميركية هناك، وحصلت على بكالوريوس الرياضيات. ثم درست فن الهندسة المعمارية. ووصفها أحد أساتذتها بأنها «كوكب يدور في مدار خاص»، ولم تكتف بالعمل في المكاتب الهندسية بل قامت بسلسلة رحلات لأعمالها في فن العمارة. وتأثرت المهندسة زها حديد بأعمال المهندس المعماري الكبير أوسكار نيمايير الذي يمتلك موهبة فذة لاسيما فيما يختص بإحساسه بالمساحة، حيث ألهمتها أعماله وشجعتها كثيراً على الإبداع الذي يجمع بين النمط الكلاسيكي والتعقيد الهندسي، والتصميم الجريء واعتماد المواد الأصلية.
وتعد زها حديد الفن والهندسة والموضة فنوناً وجدت للاستعمال والاستمتاع، وبالتالي فإنها تنشر السعادة وتحسّن أشكال الحياة، وفكرتها هي البدء بتصاميم تقليدية ثم حملها إلى مستوى جديد مطبوع بالعصرية والغرابة.
توفيت المهندسة المعمارية العراقية زها حديد، عن عمر 65 إثر نوبة قلبية في 31 مارس في أمريكا. ورحلت بعد أن نفذت حوالي (950) مشروعاً في 44 دولة، وكانت تمتلك شخصية قوية وإرادة صلبة وطموحاً لا يعرف العجز، حيث كانت متفائلة وتتدفق حيوية.
«زها حديد» المرأة العراقية التي تربعت على عرش الهندسة المعمارية في العالم، تركت بصمتها بأرقى التصاميم في أكبر العواصم، حتى عدّت الأشهر عالمياً رغم أنها مجهولة عربياً! حيث لم يستثمر بلدها موهبتها ويشجعها، بينما استثمرها الآخرون حتى تدفقت عطاء وتفجرت إبداعاً! وربما لو بقيت في وطنها لم تستطع تحقيق ما وصلت إليه رغم عبقريتها!
ومن أجمل تصاميم الراحلة زها حديد مبانٍ في الصين ومحطة إطفاء الحريق في ألمانيا، ومتحف الفن الحديث في مدينة سِنْسُناتي بولاية أوهايو في أمريكا، ومركز الفنون الحديثة في روما، وجسر الشيخ زايد في أبو ظبي والمبنى العائم ومبنى الأوبرا في دبي ومتحف الثقافة في أذربيجان ومركز الملك عبد الله للدراسات والبحوث البترولية في الرياض ومشروع مركز التراث العمراني في الدرعية ومحطة مترو الرياض وغيرها كثير!
رحلت زها ولكنها ستبقى حية في أعمالها الوهاجة الداعمة لفن العمارة، والملهمة لمحبي الحياة.
رحلت زها وقد تركت لنا أعمالاً ستظل شاهداً لها، وسيذكرها التاريخ من مبدعي الهندسة المعمارية.