رقية الهويريني
لا شك أن فواتير المياه التي أرسلت مؤخراً للمشتركين كانت صاعقة! مما دعا غالب الكُتّاب للحديث عن تداعياتها، وجأر الناس بالشكوى منها عبر التلفزيون وقنوات التواصل الاجتماعي. وبرغم شجب أغلب الإعلاميين ومطالبتهم بإعادة النظر في شرائح الاستهلاك، والدعوة لمراجعة الصرف الحقيقي؛ إلا أن بعضهم أيّد هذا الإجراء، ونادى بمضاعفة أسعار المياه الجديدة بدعوى أن بلادنا تشكو من ندرة المياه ولابد من تأديب الناس وكبح جماح الإسراف!
ولست هنا بصدد الشكوى والتذمر لأنني كنت أعدّ نفسي من المقتصدين عدا عن كرمي على مزروعات قليلة في منزلي تبعث على السعادة، لاسيما النخلة التي أدللها فتكافئني بسخائها؛ لولا طقس يخذلها فيسلط عليها الغبار سنوياً! وأزعم أن كل النخيل في منازل الرياض أصبحت غير صالحة للأكل الآدمي بسبب ما يسمى بـ» الغبير» لذا يلجأ الكثيرون لعدم تأبيرها، ويعمد بعضهم للتخلص من إنتاجها، ويكتفون بمنظرها الجميل! وعادة النخيل صبورة وقنوعة لا تحتاج للماء إلى ما دون الموت.
ما أردت الحديث عنه هو أن تلك العاصفة التي مرت بالناس قد أيقظتهم من سبات طويل، فصاروا يبحثون عن أدوات الترشيد، ويسألون عن أماكن تواجدها، وطفقوا يفحصون تسرب المياه ويتفقدون وضع الأنابيب، ويسبرون الماء من لحظة دخوله وحتى خروجه، ويحسبون قطرات الماء، وبدأ يعلو صوت الترشيد مصداقاً لمقولة (الجرح اللي ما يموتك يقويك) وهي إجراءات طيبة نبهتهم لأهمية الماء، وبينت قدرة الإرادة السياسية على توجيه الناس حين تريد، وهو ما نتطلع له في تدابير اجتماعية تحتاج لتلك الإرادة الفذة.
وكان من الأَوْلى تدرج الوزارة برفع أسعار المياه بحسب الشرائح وزيادة قيمة غرامات التسرب، مع نشر التوعية والتثقيف والكف عن التصريحات الاستفزازية من لدن الوزارة، وعدم تسرع شركة المياه بتوزيع الفواتير ذات الأرقام الفلكية مع إصرارها على دقتها التي تبين لاحقاً وجود تسربات ومشاكل لم تُعِرْها الشركة انتباهاً، وكان حرياً بها معالجة التسربات قبل إصدار الفواتير بالتعاون مع المشتركين بعيداً عن تبادل الاتهامات.
ما حصل من صدمة في إصدار الفواتير التي حوت مبالغ غير واقعية يستدعي إعادة النظر بالأسلوب الذي تعاطت معه شركة المياه مع المشتركين، وتلك التصريحات الاستعلائية! وهي بالواقع عاصفة صاحبها إعصار يتطلب التعامل معه بتهيئة و... حكمة!!