عماد المديفر
تُبنى لدى الشعوب صور ذهنية عن الدول الأخرى، إذ دائماً ما كانت العلاقات بين الدول تتشكل من خلال هذه الصور، وكما أن السمعة الشخصية مهمة للفرد، يتوقف عليها مصير علاقاته وتعاملاته مع الآخرين والثقة المتبادلة فيما بينهم فإننا يمكن أن نقول الشيء ذاته فيما يخص سمعة الدولة. وبالتالي فإن الاتجاه السائد المتبنى من قبل الرأي العام في دولة ما تجاه سمعة دولة أخرى ينبني عليه إما قبول أورفض للوضع القائم فيما يخص العلاقات الرسمية والمصالح المشتركة بين هذه الدول، وهو ما يؤثر بشكل فاعل في تنفيذ السياسات على الساحة الدولية..
إن السمعة الوطنية والصورة الذهنية هي التي تحدد مدى القوة الوطنية. كونها تعكس وتؤثر على مدى التفهم العالمي لدولة ما، إذ قد يكون لها القدرة - على سبيل المثال - على بناء الإئتلافات والأحلاف لتحقيق الأهداف السياسية على الصعيد الدولي، أو التأثير على التصورات واتخاذ القرارات بشأن المضي بهذه التحالفات، وبناء تحالفات جديدة، أو تضعضع وانهيار التحالفات القائمة، وهو ما يمس المصالح العليا للدولة بشكل مباشر..
ففي عالمنا المعاصر ومع انتشار الديموقراطيات وبروز قوة الرأي العام نشأ وضع جديد في النظام الدولي العالمي، من الخطأ بمكان الاعتماد فيه فقط على القوى الصلبة «الاقتصادية، أو العسكرية».. فالحكومات الواعية تسعى للتنافس فيما بينها لكسب قلوب وعقول الشعوب في الدول الأخرى - وهذا ما تقوم به الدبلوماسية الشعبية ( Public Diplomacy ) التي قد يعتبرها الباحثون إحدى فنون العلاقات العامة، تحت مظلة ما بات يعرف بالعلاقات العامة الدولية - وذلك من خلال سعيها للتأثير على مواطني الدول الأجنبية بايجاد القيم المشتركة وتمرير سياساتها لخلق نوع من الدعم لأدائها وتحركاتها وبالتالي تحقيق أهدافها ومصالحها.
وكنت قد تناولت في المقالة السابقة موضوع التصعيد الإعلامي الدولي غير الإيجابي، الذي يصفه البعض بـ «الحملة الدعائية المنظمة» التي تستهدف المساس بهويتنا الدينية والوطنية .. والسعي -إما عن عدم معرفة، أو سوء سريرة- للقول بأن التنظيمات الإرهابية كـ «داعش» و «جبهة النصرة» و «القاعدة» ينتمون لذات المدرسة الدينية المنتشرة داخل المملكة، ويشيرون بأصابعهم لما يسمونه بـ «الوهابية»! ذلك بالضبط ما عكسته احدى جلسات الاستماع في مجلس الشيوخ للحليف الأكبر لنا «الولايات المتحدة الأمريكية» الذي ناقش هذه الفرضية، ودفعت المناقشة للقول بوجود ارتباط آيدلوجي ما، «إلا أن داعش طور جديد أكثر تطرفاً من الوهابية» هكذا ورد نصاً في جلسة الاستماع!
الحقيقة تقول أنه لا وجود لشيء في المملكة يُدعى «الوهابية» أو «الوهابيون»، وأن دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب -عليه رحمة الله- الإصلاحية، براء من هذه الافتراءات، بل هي أتت أساساً لمحاربة الجهل الذي يسبب التطرّف والإرهاب، وجاءت لنشر العلم الذي يُعد هو الركيزة الأولى في معركتنا ضد الإرهاب والتطرف. أما الأدلة العلمية على ذلك فكثيرة، وسأفرد لها مقالة مستقلة..
ومن هذا المنطلق تناولت موضوع مواجهة هذا التصعيد الإعلامي بعمل إعلامي سعودي دولي منظم.. وتفعيل دور الدبلوماسية الشعبية «الدبلوماسية العامة» بهدف المساهمة في تصحيح المعلومات المتداولة المغلوطة في وسائل الإعلام الدولية.. والعمل على تحييد الانطباعات غير الإيجابية.. وهو لا شك أمر غاية في الأهمية، وذو أولوية قصوى، لكن هناك ما هو أكثر أهمية منه..إن افتقدناه؛ فجميع جهودنا في تصحيح الصورة والمعلومات المغلوطة ستذهب أدراج الرياح، ودون تحقيق الهدف المرجو منها..! بل ربما «زادت الطين بلة» بالقول إن ما نمارسه مجرد «دعاية فجة»..!
وهو ما يؤكده علماء الإعلام والعلاقات العامة والدبلوماسية الشعبية بإجماعهم على أنه لا يمكن لأفضل حملة علاقات عامة تصحيح صورة سلبية ما، مالم يساعدها واقع الحال..
وواقع الحال يقول: إن تنظيم الإخوان المسلمين استطاع التغلغل والانتشار داخل المملكة تماماً كما تغلغل في دول عربية أخرى.. إلا أن مهامه في المملكة هي الأكثر خطراً، وهو ما أشار له بوضوح رجل الأمن الأول في هذه البلاد الأمير نايف بن عبدالعزيز عليه رحمة الله.. حين ذكر بأن: « كل مشاكلنا، وإفرازاتنا - السلبية المرتبطة بالتطرف والإرهاب- جاءت من الإخوان المسلمين فهم الذين خلقوا هذه التيارات، وأشاعوا هذه الأفكار».. في إشارة إلى تنظيمات «الإسلام السياسي»ً..
واقع الحال يقول أن إيران وتنظيم الإخوان المسلمين هم من يعملان بجد واجتهاد لما أسميه بـ «توريطنا بالإرهاب».. كونهما كليهما يستهدفان هذه البلاد..في عقيدتها، وأمنها، وهويتها..
إلا أن عمل تنظيم الإخوان أكثر أثراً، وبالتالي هو الأكبر خطراً.. وذلك من خلال عمله - كما سبق وأسلفت في مقالات سابقة- على أكثر من مسار، أحدها داخلي وهو المعروف بتيار «السرورية» المتستر برداء «السلفية» وباطنه إخواني (قُحّ).. وذي علاقة بالتنظيم الدولي.. هذا التنظيم يسعى لعدة أهداف.. وفي مقدمها الإساءة لصورة المملكة، و لسمعة شعب المملكة، عبر قيامه بأعمال تسهل الدفع بوسمنا ووسم ثقافتنا، وأخبارنا، وما يصل للعالم من قصص يفتعلها عنا.. وسم ذلك بـ «التخلف، والرجعية، والإرهاب».. وأن هذه هي «الوهابية» في أوضح صورها..! وليس ذلك فحسب.. بل يسعى هذا التيار لاختطاف المجتمع ككل.. ليبقى رموزه أو على الأقل من لا يُعارضونهم.. هم في صدارة المشهد، وأنهم هم من يمثل الدين.. في حين يتم وسم أي صوت وطني متدين وسطي وواع إما بالـ «تصهين»، أو «الجامية»، أو «العلمنة»، أو «الليبرالية».. ولا يتوانى هذا التيار الخطير في القيام بأي شيء في سبيل إسكات هذه الأصوات الوسطية المعتدلة..!
ألقاكم الأسبوع القادم.. فإلى اللقاء.