زكية إبراهيم الحجي
هناك عبارة حساسة «لجوزيف ناي» مساعد وزير الدفاع في عهد بيل كلينتون وأكد عليها في كتابه الشهير «القوة الناعمة وسيلة النجاح في السياسة الدولية» نص العبارة كما وردت في الكتاب «إن دولاراً واحداً ينفق لشراء قرص فيديو يحمله شاب أو فتى إيراني يستخدمه بشكل دائم لمواجهة سلطة رجال الدين الإيرانيين في معركة حرب الأفكار أجدى وأفضل أضعاف المرات من أن تدفع ألف دولار لشراء أسلحة وعتاد وموارد مختلفة للمواجهة العسكرية مع إيران».. أما مقصد هذه العبارة وكما يشير جوزيف ناي بقوله: لتحصل على ما تريد يأتي
عن طريق الجاذبية بدلاً من الإرغام.. وهو القدرة التأثيرية في سلوك الآخرين لتحقق النتائج والأهداف التي تسعى إليها دون أن تلجأ لاستعمال الوسائل العسكرية الصلبة وهذا ما يطلق عليه بالقوة الناعمة.
القوة الناعمة أو الحرب الناعمة مفهوم لا يختلف كثيراً عن مفهوم الحرب الباردة والحرب الدبلوماسية وحرب النجوم وغيرها من حروب تندرج تحت مسميات ظاهرها رقيق جذاب وباطنها ماهية انتزاعية وتدريجية غير محسوسة.. مداخلُها العقول والقلوب والوجدان والسلوك وقد راج هذا المفهوم في نهائيات القرن الماضي وظلت دلالاته مرتبطة بإطار العلاقات الدولية والمعارك السياسية إلا أن الهدف المبطن هو الشعوب والمجتمعات.. بمعنى أن القوة الناعمة في الثقافة السياسية تعني الانهيار من الداخل دون الحاجة إلى الاقتتال العسكري وفتح نيران الحرب.
الحروب الناعمة ما هي إلا خلاصة تراكم مجموعة من السياسات والأفكار التي جرى تطبيقها بشكل مستقل على مراحل تاريخية متعاقبة لمواجهة أوضاع دولية مختلفة بدأت بفكرة اعتمدتها الاستراتيجيات والخطط الأمريكية في التعامل مع النظم المعادية لها.. وتم تطبيقها فترة الحرب الباردة فأثمرت سقوطاً للاتحاد السوفيتي والمحور التابع له دون إطلاق أي رصاصة أو صاروخ.
ومع بزوغ عصر العولمة وبروز الشعارات الرنانة زيفاً كشعارات حقوق الطفل وحقوق الإنسان والديمقراطية والسلام العالمي وغيرها من شعارات تُستخدم استخداماً ناعماً لدغدغة العواطف تزايدت النزعة الشمولية للإطباق على الشعوب ومحاولة تسخيرها لخدمة كرسي البيت الأبيض مما دفع من يعتلي هذا الكرسي إلى استخدام القوة الناعمة.. وليس كل نصر عسكري يعني نصراً سياسياً بل ربما يؤدي هذا النصر إلى ازدياد كراهية الشعوب للمنتصر عسكرياً.
ولأن القوة الناعمة تعتمد أسلوب الإغراء والجذب المرتكزة على كل المؤثرات الإعلامية والثقافية والتجارية وكل مورد لا يدخل ضمن القدرات العسكرية.. ولأن العصر الحالي هو عصر الدعاية والإعلام الذكي فإن مجتمعاتنا بحاجة إلى مزيد من التوعية في الدعاية للقضايا العادلة وكشف زيف الخداع والتمويه والحد من تأثير من يمارسون قصف العقول.. نحن بحاجة إلى تفعيل دور نماذج تربوية متكاملة تبدأ من الأسرة والمدرسة والمؤسسات المجتمعية ووسائل الإعلام لتحصين المجتمع بالمنظومة القيمية والأخلاق الإسلامية وتربية الفرد بما يتيح له التعامل مع مصادر المعلومات.. والقدرة على اتخاذ القرارات بما يشكل مناعة ذاتية قادرة على التعامل مع خرافة من يتلاعبون بالعقول بأساليب خفية تآمرية معادية للمجتمع والوطن.. أخيراً علينا أن ندرك ونحن نخاطب ذواتنا بأن القوة الناعمة هدفها الأول الأفراد والمجتمعات من خلال احتلال الأفكار والسلوك.. والتأثير على المبادئ والقيم الأساسية للوطن وتشويه الهوية الثقافية والمجتمعية له.