زكية إبراهيم الحجي
درجت العادة أن يأخذ الرجل الشرقي دور السلطة في المنزل..ولا زالت الغالبية تحتفظ في ذاكرتها بعضاً من صور الماضي الجميل الذي يعكس حياته الأسرية بإيجابياتها وسلبياتها وما يتخللها من مشاغبات ومشاكسات.. وكيف كانت الأمهات يتوعدن الأبناء فرصة قدوم الأب ليشتكين له ما يبدر من الأبناء من فوضى وضجيج وطيش التصرفات كم هي جميلة وساحرة هذه الصورة عندما تتوهج وتعيد الذاكرة إلى ماضٍ لا زال محفوراً في الأعماق وبكل تفاصيله
الصغيرة يبقى مُخَبأً لا يضيع في زحمة الذاكرة.. يثير فينا لواعج الشجن والحنين من آنٍ لآخر.. فالأب رمزٌ.. وصورتُه بوقاره وهيبته التي تكلل حضوره تبقى حاضرة دائماً في الذهن ما يجعلنا نقف أمام هذه الصورة بكل خشية واحترام وتقدير.. ورغم أنه في الماضي كانت الكلمة الأولى والأخيرة للأب عند كثير من الأسر بمعنى لا مجال لحوار أو نقاش أو طرح لآراء فإننا لا ننكر بأن هناك كثيراً من الأسر كانت علاقة الأب بالأبناء قائمة على الاحترام والصداقة والحوار الهادئ الذي لا يخلو من التوجيه الهادف بعيداً عن التعنيف أو التهديد والوعيد وبالتالي تبقى صورة الأب القوي الحنون حاضرة في وجدان الأبناء.. كذلك علينا ألا ننكر وجود بعض الآباء متقلبي المزاج..فالكلمة والمعاملة تتراوح حسب ما يمليه المزاج.. وكما نقول في لغتنا الدارجة (مزاج رائق ومزاج متعكر).
ورغم أن التحولات الاجتماعية والاقتصادية في ظل العولمة أدت إلى تغييرات بنيوية في مكانة ووظائف الأب والأم وعلاقات السلطة بينهما من جهة ومع الأبناء من جهة أخرى وحالات التغيب المتكرر للأب لسبب أو آخر فإن السلطة الأبوية التي كانت سائدة في الماضي لا زالت جذورها قائمة اليوم ويمارسها بعض الآباء رغم إيمانهم بأن سلطة الأب وسطوته قد تنتج شخصية ذات طبيعة مزدوجة مذبذبة فهي من ناحية تبدي استعداداً كبيراً للخضوع ومن ناحية أخرى قد تبدي ميلاً عدوانياً واضحاً.. ولكي تخفي هذه الشخصية الميل العدواني فإنها تكبته في اللاشعور وهذا بحد ذاته مؤشر خطير ينبئ بأن ممارسة السيطرة والسطوة الصارمة من الأب يقابله نفور الأبناء والنفور من البيئة الأسرية والميول لنزعات العنف قد تؤدي إلى انحراف أو السير في دروب الإرهاب الذي لم يسلم منه كثير من شبابنا.
المحاذير والمخاوف التي يثيرها السلوك التسلطي على الأبناء كثيرة وخطيرة.. والسيطرة التي يمارسها الأب من خلال أبوته ربما تجعله يتبنى مواقفَ معينة ليس لإقناع الابن بها ولكن لأن وظيفته الأبوية تفرضها عليه ما يجعل الابن أسيراً لصورة معينة تفقده ذاتيته الفعالة وتدخله في متاهات صراع نفسي بين ما تفرضه قناعته وما تُحتمه العادات والتقاليد.