زكية إبراهيم الحجي
من منا لم يعشق لعبة التنافس في صغره.. من منا لم يألف في زمن الطفولة لعبة الدوران حول كرسي مع مجموعة من الصحاب ويمارس ادفع من حولك لتحظى بقصب السبق وتفوز بالجلوس على الكرسي الوحيد المتبقي من مجموعة الكراسي..الفوز بكرسي لعبة الكراسي في زمن الطفولة يعني كسراً لجموح الآخرين إلا أن براءة الطفولة لا تدرك المعنى البعيد لذلك أو تعي البعد الفلسفي العميق لهذه اللعبة التي أسرتنا في الصغر..لم يخطر على بالنا في يوم من الأيام أن هذا الجامد بتعدده واختلاف أنواعه منتزع من حياة البشر..وأن بعضاً من أنواعه يملك سيكولوجية تشد البعض إليه حتى ليتمنى أن يجلس فيه وعليه إلى الأبد.
كبرنا وأدركنا أن ذلك الكرسي الذي شُغفنا به في صغرنا لاختطافه بلعبة تنافسية بريئة..يملك في المعاجم ما لا يعد أو يحصى من الدلالات والرموز..ما يجعله أداة مهيأة للصراعات السياسية والحروب الأهلية والمنافسة غير الشريفة للوصول إليه والجلوس عليه حتى ولو كلف ذلك إراقة دماء من أجل احتكاره..وما أكثر الكراسي التي كانت شاهداً على ذلك..فعلى مرّ العصور وحتى يومنا هذا كان الكرسي رمزاً للسلطة والجاه بل امتد إلى الاستبداد والقتل والتشريد والتهجير والتدمير كما يفعل مجرم سوريا بشار الأسد الذي لا زال يعتقد أن كرسي الحكم الذي يجلس عليه ويهين به الشعب السوري هو أحد كراسي منزله الذي يعيش فيه مع عائلته..وليت هذا المستبد القاتل والذي نكّل بشعبه يعلم بأنه حتى كرسي الرئاسة نبذه ويطالبه بالرحيل.
لعبة الكراسي السياسية بما فيها من مكر وخداع يدثره استبداد وطغيان تذكرني بقصة قرأتها في طفولتي..وهي عن ضفدع حاول أن يسبح في نهر السلطة والمنصب ونسي أن هناك عقرباً سيلدغه مثلما لدغ غيره..خلاصة القصة أن عقرباً جاء إلى نهر ووقف على الشط حائراً يريد أن يعبر النهر لكنه لا يعرف العوم وفجأة لمح ضفدعاً يركن على حافة الماء فأسرع نحوه وقال هل تحملني إلى الضفة الأخرى..فقال الضفدع: أتظن أنني غبي أنا أعرفك جيداً لو حملتك على ظهري فسوف تلدغني وتقتلني..أجاب العقرب مستحيل لو فعلت ذلك فأنا أيضاً سأهلك غرقاً..وافق الضفدع ونزلا إلى الماء وعندما وصلا إلى حافة الضفة الأخرى لدغ العقرب الضفدع لدغة أسقطته غارقاً في النهر ورغم أن هذه القصة من قصص الخيال التي تجذب الأطفال ويشعرون بالمتعة عند قراءتها إلا أنها وغيرها من القصص المماثلة تحمل دلالة رمزية فلسفية عميقة لا يمكن للطفل أن يدركها لكنها قد تبقى راسخة في ذاكرته ومع مرور الأيام والسنين يربطها بأحداث ومواقف يشهدها في حياته.
لعبة الكراسي السياسية لعبة خطيرة وخطورتها لا تتوقف عند المتصارعين على الكراسي بل تمتد إلى المجتمعات والشعوب وتسحب بساط الروح التنافسية الشريفة والروح الرياضية التي كانت سائدة في لعبة الكراسي زمن الطفولة..لعبة الكراسي السياسية فتنة قذرة تقسم المجتمع الواحد إلى أحزاب وفرق إلى مؤيد ومعارض ولعل ما نشهده اليوم في الوطن العربي من أحداث وصراعات ونزاعات ما هو إلا حصاد لعبة الكراسي السياسية التي لم تكن لعبة بل ميدان قتال وصراع والضحية الشعوب.