عثمان أبوبكر مالي
جوانب كثيرة استحضرت في حادثة (عم معيض)، أشهر مقطع ظهر وانتشر في مواقع التواصل الاجتماعي انتشار النار في الهشيم، وامتد إلى وسائل الإعلام التقليدية، وأصبح مادة دسمة على مدار أيام.
مع الجانب الإعلامي استحضر المقطع (تراث الماضي) مثل قسوة ومسكة العصا، وشهرة الخيزرانة، وماضيها التليد، والتعنيف والعنف الأسري، والفرق بينهما وبين أساليب التربية القديمة والحديثة، ومقارنات بينهما، ودخلت أيضًا أجهزة وقطاعات حكومية ومؤسسات المجتمع المدني، ووصلت إلى مداخلات لمجلس الشورى، وسمعنا رأي إدارة (الحماية الاجتماعية) بوزارة الشؤون الاجتماعية، التي (أفتت) بقولها (إن الضرب داخل المنزل يعد مخالفة صريحة لنظام حماية الأطفال، يعرض صاحبه للعقوبة والمساءلة). وظهرت هيئة حقوق الإنسان التي كانت أكثر هدوءًا، وأغلقت الملف بعد أن أكدت أن (ضرب العم معيض كان تربويًّا، ولم يكن عنفًا أسريًّا، وأن هدفه كان التأديب الشرعي الذي ليس فيه إساءة).
ومع الجوانب الرسمية ظهر (المتسلقون) الذين أعلن أنهم سيقدمون الهدايا والجوائز والمكافآت المالية والاستضافات في شاليهات ودعوات على العشاء، وغير ذلك. أما هاشتاق، بل قُلْ هاشتاقات # عم_معيض، فقد تعددت وبلغ تداولها ونسبة مشاهدتها (الترند العالمي). وليس ذلك بغريب؛ فنحن في زمن القص واللزق، أو هو زمن (الإعلام السريع).
الغريب عندي هو (الوجه الآخر) في الموضوع، وهو الجانب الأول والأساس فيه، الذي لم يحضر أبدًا، ولم يظهر أصحابه، ولم يعلق مسؤولوه، ولم تأتِ مداخلاتهم أو تنظيراتهم على الإطلاق، ولم يتحدث عنه أحد، وهو ـ من وجهة نظري ـ لب المشكلة ومنطلقها، وهو الجانب الرياضي، وتحديدًا الميدان أو الملعب الرياضي (المكان)، الذي يمارس فيه الأطفال والشباب كرة القدم، رياضتهم ولعبتهم المفضلة.
بالتأكيد، لو وجد أبناء العم معيض ومَن في حكمهم مكانًا مناسبًا وآمنًا وقريبًا من المنزل، يزاولون فيه هوايتهم، ويُشبعون رغبتهم في لعب كرة القدم، لما لجؤوا إلى (المقلط)، واستخدام ديوان أو صالة استقبال الضيوف مكانًا للتحدي ولعب الكرة.
كنت آمل - وما زلت - أن يقود المقطع أو (الحادثة) إلى أن تستحضر الجهات المسؤولة عن إيجاد تلك المواقع والمساحات، وتفتح ملفًا قديمًا قد علاه الغبار، هو ملف (الساحات الشعبية)، التي تخصَّص في الأحياء والمخططات لتزاول القاعدة الشعبية لعبة كرة القدم والرياضة عمومًا. إنها الوسيلة الناجعة جدًّا لمغادرة (المقلط)، واختفاء خيزرانة معيض.
كلام مشفر
· حاجتنا كبيرة إلى تأصيل وتوسيع قاعدة ممارسة الرياضة في المجتمع بعيدًا عن القوانين والاستثمار واللعب المدفوع للأندية التجارية، التي لا تستطيعها كثير من الأسر؛ فلا يجد أبناؤها إلا الصالون أو (مقلط العم معيض).
· رياضتنا لا يزال أمامها (أولويات)، تحتاج الجهات المسؤولة إلى أن تتضافر وتعتني بها لأهميتها الكبيرة، وفوائدها للوطن وشبابه ومستقبله، من خلال فتح ملفاتها، وتفعيل التعليمات الصادرة بشأنها لفرض وجودها على أرض الواقع، خاصة إذا ما قادتنا حوادث لتذكُّرها ودورها وتأثيرها على الرياضة ومستقبلها وانتشارها واستمراريتها.
· من ذلك مشروع (الساحات الشعبية) الذي صدرت أوامر عليا منذ سنوات طويلة، توجب الاهتمام بها ضمن خطوات إنشاء الحدائق والمنتزهات والساحات الشعبية (الرياضية) في المدن من أجل تأصيل مشروع (الرياضة للجميع).
· الرياضة للجميع كان مشروعًا مطروحًا، يهدف إلى تحويل الرياضة إلى (عادة سلوكية) في المجتمع وفعل اجتماعي منظور، وذلك بتهيئة سبل وكيفية الممارسة في الألعاب الرياضية والمشاركة في الرياضة غير التنافسية.
· وكأن المشروع وشعاراته، ورغم ازدياد الحاجة إلى كل ألوان (الرياضة للجميع) لشرائح المجتمع المختلفة في عصرنا الحاضر؛ بسبب عدم الحركة وقلة المجهود من الكثيرين بفضل (الآلة) واستعمالاتها.
· ولست أدري التوجه نحو الأندية الخاصة، والتوسع في أندية النشاط والعناية بالصحة، وتحويل ممارسة الألعاب الفردية إلى مراكز متخصصة مستقبلاً، كم سيضع من الحواجز الإضافية أمام الممارسة الشعبية للرياضة، وكم من مواقع على شاكلة (مقلط العم معيض) ستُفتح بسبب ذلك؟!
· عندما وصف رئيس نادي الاتحاد إبراهيم البلوي قبل عام (من غير تبعيض) أعضاء شرف النادي والإعلاميين الذين ينتقدونه بأنهم (أشباه رجال) لم يقل أحد من مسؤولي الرياضة (عيب)، وأن ذلك لا يليق أن يصدر من رئيس نادٍ تجاه فئة رياضية، حتى وإن كانت تنتسب إلى ناديه.
· لم يحدث ذلك؛ فكان من الطبيعي أن تمتد ألفاظه (اللاذعة)؛ لتشمل فئة رياضية أخرى حتى وهي لا تنتمي لناديه، مثل قوله عن اتحاد كرة القدم إنه (غبي وضعيف) في وصف يشمل الرئيس والأعضاء واللجان(!!) والسؤال: ماذا سيكون اللفظ القادم؟ وإلى مَنْ سيوجهه؟!